بطبيعة الحال فلقد أحدثت الحرب الروسية – الأوكرانية / العملية الروسية الخاصة الإستباقية الدفاعية التحريرية والحرب المضادة الأوكرانية (كييف) وبمساندة الغرب بقيادة أمريكا وحلف (الناتو) العسكري المناهض لروسيا الإتحادية عام 2022 شرخا عميقا في العلاقات بين الغرب وروسيا وبالعكس لدرجة التلويح بحرب عالمية ثالثة نووية مدمرة للحضارات والبشرية، ولكل معسكر شرقي وغربي موقف يتخندق خلفه ووسطه، فتتمسك روسيا الإتحادية بتفسيرها لإتفاقية انهيار الأتحاد السوفيتي لعام 1991 المانعة للدول المستقلة للذهاب لعقد تحالفات عسكرية مضادة لروسيا وللمعسكرالشرقي، وبتفسير اتفاقية 2022، وباتفاقية تركيا، وبأتفاقية (مينسك)، وبمادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 القاضية بالسماح بالدفاع عن النفس، وبالمطالبة بتوقيع سلام المنتصر على حرب لم تختارها من دون العودة سينتيميترا واحدا الى الخلف. وتنادي (كييف) ونظامها السياسي المحسوب على التيار البنديري المتطرف والمسنودة من طرف الغرب المتطرف، أيضا موسكو بالعودة الى حدود عام 1991 و2014 وهو المستحيل بكل تأكيد.
و روسيا تعتبر كافة الأراضي الأوكرانية روسية والعاصمة (كييف – كييفسكايا روس) أيضا، وبأنه لاوجود لمصطلح أوكرانيا قبل عام 1917 ، وبأن قائد ثورة أكتوبر البلشفية فلاديمير لينين هو من صنع أوكرانيا لأغراض زراعية، وبأن الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف الأوكراني الأصل هو من حرك اقليم القرم الروسي الأصل تجاه أوكرانيا لغايات مائية اقتصادية .ومن بدأ الحرب مثل أوكرانيا (كييف) عبر التطاول على المكونين الأوكراني والروسي بهدف ضم شرق أوكرانيا قسرا عليه قبول سلام الممكن، وبأن التصعيد من طرف (كييف) والغرب يقود لتصعيد مقابل، و أية حرب مباشرة لن تكون الا نووية مدمرة لايحمد عقباها. وما كان بالأمس من تقارب روسي وحتى سوفيتي أمريكي غربي يصعب تحقيقه بسهولة الان في زمن استمرار الحرب / العملية، والقراءات الحديثة تشير لأحتمال الأعلان عن سلام وانهاء الحرب الأوكرانية حالة فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في الأنتخابات الأمريكية القادمة 5 نوفمبر المقبل، ولا مراهنات على حقبة كاميلا هاريس حالة فوزها لتحقيق السلاح الروسي – الأوكراني المنشود كما نتوقع.
والتقارب الروسي الغربي المنشود إن حصل لن يتم الا بموافقة أمريكية ومؤسسات البنتاغون والأيباك والكونغرس على خط الأزمة ،و إن أفضى الى سلام روسي – أوكراني – غربي الا أنه لن ينهي الحرب الباردة وسباق التسلح، ولن يقود لوقف روسيا عن نهجها لمواصلة بناء عالم متعدد الأقطاب يشمل شرق وجنوب العالم ويبقي الباب مواربا تجاه الغرب، وهي الرافضة للحرب الباردة وسباق التسلح بصورة أكيدة. لكن التقارب مطلوب بكل الأحوال، والحرب الباردة مطالبة بالتوقف وكذلك سباق التسلح لما فيه كل الخير للبشرية جمعاء، وللتفرغ لحل أزماتها الأستراتيجية المتعددة. ولم يثبت العلم في المقابل وجود حياة للبشرية في الكواكب القريبة فلماذا التفكير بتحريك حرب عالمية ثالثة مدمرة بسبب عدم القدرة على تفسير القانون الدولي الذي صنع كنتيجة مباشرة للحرب العالمية الثانية ولمنع حدوث حرب عالمية ثالثة أكثر تدميرا للبشرية ؟
روسيا الإتحادية قائدة توجه عالم متعدد الأقطاب تختلف 24 درجة عن الولايات المتحدة الأمريكية قائدة أحادية القطب، وهي الأكثر جدية في تطبيق القانون الدولي ،و صديقة لدول وشعوب العالم وليس لدول العالم فقط كما الأمريكية ،و التاريخ شاهد عيان على عدالة الدولة الروسية في التعامل مع قضايا العالم، ولم تبدأ الحروب يوما، ولم تستخدم السلام النووي يوما بينما استخدمته أمريكا فور انتاجه في ضرب اليابان عام 1945، وتتمسك روسيا بحق الرد الفوري فورا حتى على الحروب التقليدية. وفي الحربين الأوكرانية وفي غزة تمسكت بالقانون وذهبت الى أوكرانيا عسكريا متأخرة ثمانية أعوام ،ووقفت من حرب إسرائيل في غزة ضد حرب الإبادة الجماعية رغم عدم اتفاقها مع السابع من أكتوبر الذي عبر عن قساوة الاحتلال الإسرائيلي على مدار 76 عاما، وهو الذي لازال يوسع عدوانه على لبنان واليمن والعراق وعينه على دول الجوار وأوسع. و لاحظنا في الوضع المقابل كيف تصرفت أمريكا عندما انحازت الى نظام أوكرانيا لأهداف بعيدة المدى ذات علاقة بالحرب الباردة وسباق التسلح وليس بهدف المحافظة على استقلال أوكرانيا الذي يصعب عليها فهمه، وكيف انحازت الى جانب إسرائيل معتبرة اياها رغم اختراقها للقانون الدولي واحتلالها لبلاد العرب خطا أحمرا .
ان أوان الأدارة الأمريكية أن تقرأ التاريخ القديم والمعاصر بعيدا عن الرواية الإسرائيلية السرابية ،و الحقيقة يصعب تغطيتها بغربال، وقضايا العالم لها خصوصياتها، والأوكرانية فسرها الروس بعمق ولا يقبلون بتفسيرات خارجية لا تناسب مفاهيمهم ومعتقداتهم، وروسيا متفهمه للمقاومة الفلسطينية والعربية ضد الأحتلال الإسرائيلي وتساندها وفقا لأحكام القانون الدولي بعكس أمريكا التي تعتبر المقاومة العربية ارهابية وهكذا تصنفها كما إسرائيل نفسها. وموسوعة الهلوكوست الفلسطيني المفتوح لنواف الزرو خير مرجع وكتاب كبير، عادل ومنصف. ومشاهدات المجزرة الصهيونية المفتوحة ضد نساء وأطفال فلسطين الذ ي سجلها نواف الزرو نفسه تستحق المتابعة والتعليق للوصول الى ما وراء الحقيقة. والعرب كما الروس يعرفون جيدا بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، لكن الفرق بين الروس والعرب، هو بأن الروس موحدون بفدرالية وسلاحهم نووي متطور وفرط صوتي ،و العرب عازفون عن الوحدة، والسلاح النووي الهام لإحداث الفرق مع إسرائيل ممنوع عليهم امتلاكه، وعلى ايران وتركيا وعموم منطقة الشرق الأوسط ،و هو حكر هنا على إسرائيل التي يريد الغرب لها أن لا تنهزم وتندثر.
أيهما أفضل لدول وشعوب العالم المعاصر نظام احادية القطب المتغول على أقطار العالم والذي بدأ يتآكل وعفا عليه الزمن أم نظام تعددية الأقطاب الذي بزغ نوره من وسط فكر المفكر الروسي الكسندر دوغين، ومن وسط انهيار الأتحاد السوفيتي، وبعد اندلاع الحرب الأوكرانية، ويهدف لتحقيق عدالة دولية واستقلالية وتعاون دولي وللنهوض بقضايا البشرية المحتاجة ليس للأزمات والحروب وإنما لمعالجات ناجعة خادمة للإنسان أينما تواجد؟
الحقيقة لا تغطى بغربال، وأصبحت دول وأقطاب العالم تبحث عن حقوقها وتنبذ التغول، ولقد انتهى وقت الاحتلالات والأستعمارات والسيطرة عبر توسيع شبكة هذا التحالف أو غيره. واذا كانت احادية القطب تعني امتلاك اقتصاد العالم، فإن تعددية الأقطاب تعني العون الأقتصادي وأبعد.