في واحدة من الممارسات الإجراميّة الصهيونية المتكرّرة والمستمرّة دأب جيش الاحتلال الصهيوني على ملاحقة المحرّرين الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم من سجون الاحتلال في أوقات سابقة ومطاردتهم وإعادة اعتقالهم أو تصفيتهم عن طريق الاغتيال.
وأكثر من يتعرّض للملاحقة وإعادة الاعتقال هم الأسرى الفلسطينيون الذين أطلق سراحهم في ما يعرف بصفقة وفاء الأحرار أو صفقة شاليط سنة 2011، التي أطلق فيها 1027 أسيراً فلسطينياً كان من أبرزهم يحيى السنوار الرئيس الحالي لحركة حماس، كما تشمل هذه الملاحقات إعادة الاعتقال لسجناء اعتقلوا لمدد متفاوتة الطول وأطلق سراحهم على فترات مختلفة.
وترجع هذه الممارسة الإسرائيلية إلى أسباب عديدة ربّما يكون من أهمّها الدرس الصعب الذي تعلّموه من إطلاق سراح السنوار الذي تحوّل بعد إطلاق سراحه إلى شوكة في حلق الكيان المحتلّ ونجح في تطوير المقاومة وأسلحتها ووجّه صفعات قويّة ومهينة لهذا الكيان، والذي أراه أنّ هذا السبب هو أكثر ما يجعل الإسرائيليين متردّدين في عقد صفقات تبادل جديدة، وربّما كان هذا ما دفعهم إلى التفكير باشتراط نفي بعض من يطلق سراحهم في أيّ صفقة قادمة خارج فلسطين، حتّى لا تتكرّر تجربتهم مع السنوار.
ويقصد الإسرائيليون من هذه الاعتقالات إلى إيصال رسالة للمقاومة مفادها عدم جدوى إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين لأنهم سوف يبقون تحت نظر الإسرائيليين ورقابتهم، وأنّه لا مناص لهم من تجنّب الانخراط في أعمال المقاومة، وأنّ إطلاق سراحهم لا يعني إفلاتهم من متابعة الجيش الإسرائيلي أو ممارسة حرّيتهم في التصرّف، والإسرائيليون بذلك يحذّرونهم من التفكير في القيام بأي عمل مقاوم، ولا سيّما أنّ لكلّ واحد منهم ثأراً مع سجّانيه الصهاينة على ما لقيه منهم من التنكيل والتعذيب وصنوف الترهيب.
ومن المؤكّد أنّ ثمة ارتباطاً بين إعادة اعتقال المحرّرين الفلسطينيين والمفاوضات الجارية منذ أشهر لإجراء صفقة تبادل، فكلّما طالب المفاوضون الفلسطينيون بزيادة عدد من يطلق المحتلّون الصهاينة سراحهم من السجناء الفلسطينيين قام الصهاينة باعتقالات عشوائية بين الفلسطينيين يزيد عدد المعتقلين فيها على العدد الذي يطالب فيه المفاوض الفلسطيني، ليتخذ المفاوض الصهيوني من ذلك ورقة ضغط على الطرف الفلسطيني، وهو إجراء يمكن وصفه بالعبثيّة والسخف، لأنّ المقاومة الفلسطينية قد أعلنت غير مرّة أنّه مهما بلغ عدد الأسرى الصهاينة فإنّ الثمن المطلوب من الكيان المحتلّ لن يتغيّر وهو مبادلة الكل بالكلّ.
ولا يخلو الإجراء الصهيوني بإعادة اعتقال المحرّرين الفلسطينيين من أهداف نفسيّة ضمن الخطط الصهيونية لاستهداف الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بحرب نفسيّة شرسة، منها إقناع المفاوضين الفلسطينيين بأنّه لا جدوى من إطلاق سراح أي عدد تطالب المقاومة بإطلاق سراحهم ما دامت أيدي قوات الأمن الإسرائيلية قادرة على الوصول إليهم في أي وقت وإعادة اعتقالهم أو تصفيتهم، ومنها أيضاً الاستمرار في إذلال المقاوم الفلسطيني المحرّر وإذلال الإنسان الفلسطيني ما بين اعتقال وإطلاق سراح ثم إعادة اعتقال، حيث يوجد من بين هؤلاء المحرّرين من أطلق سراحه غير مرّة وأعيد اعتقاله غير مرّة، وحُرم من التواصل مع أهله، كما حُرم أهله من زيارته.
وممّا يدخل ضمن الحرب النفسيّة والأهداف النفسيّة التي يتوخى الاحتلال الصهيوني تحقيقها من خلال هذا الإجراء تشجيع من يطلق سراحه من الأسرى الفلسطينيين للقبول بخيار الإبعاد خارج الأراضي الفلسطينية تجنّباً لخطر إعادة الاعتقال أو التعرّض للاغتيال، أوّلاً كي لا ينخرط في أعمال المقاومة ضدّ الإسرائيليين وثانياً لتحقيق الأهداف الصهيونية في تهجير الفلسطينيين من الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
ومن الأهداف النفسيّة الموجّهة للمجتمع الصهيوني نفسه يحاول الاحتلال الصهيوني إقناع الصهاينة بقدرة جيشهم على اعتقال ما يسمّيهم الإرهابيين أو المخرّبين وتحييد خطرهم من خلال زيادة أعداد المعتقلين ومضاعفتها، كما يسعى إلى تضخيم إنجازات جيش الاحتلال وزيادة رصيد نجاحاته لإقناع المجتمع الصهيوني بأنّ هذا الجيش له اليد الطولى وأنّه قادرٌ على إزالة أي تهديد أو خطر يتعرض له الصهاينة، ولا شكّ في أنّ الوسيلة التي يحاول من خلالها الجيش الصهيوني تحقيق هذا الهدف هي وسيلة زائفة وكاذبة، لأنّ هذا الفعل أو هذه الأفعال التي يقوم بها هذا الجيش لا يمكن عدّها إنجازاً عظيماً أو مهمّاً، لأنّها لا تحتاج إلى مخاطرة أو مواجهة مع أيّ قوّة أو أي تهديد، إذ ليس من البطولة ولا من الإنجاز أن يقوم جيشّ مدجّجٌ بأعتى أنواع الأسلحة وبأعداد كبيرة بمداهمة منزل يسكنه أناسٌ عزل آمنون، ثم يحاصره ويطلق النيران والجنود والكلاب المسعورة عليه، ثم (ينجح) في اعتقال طفلٍ أو شابٍّ من ذلك المنزل، ولا يحمل أيّ معنى من معاني البطولة والقوّة أن يلاحق مئات الجنود المدرّبين على القتل والمحصّنين بآليات عسكرية ثقيلة أو خفيفة مجموعة من الأطفال أو المدنيين العزل واعتقال بعضهم.
وخلاصة القول إنّ إجراءات الجيش الصهيوني بإعادة اعتقال المحرّرين أو الطلقاء من الأسرى والسجناء الفلسطينيين أو إنشاء سجون ومعتقلات جديدة وملأها بالمعتقلين من أبناء الشعب الفلسطيني لن يغني الصهاينة شيئاً، وأنّ كلّ ما يفعلونه هو تعبير عن ذعرهم وقلقهم الدائم وإحساسهم باقتراب مصيرهم المحتوم لإدراكهم أنّهم محتلّون وأنّ الأرض ليست أرضهم وأنّهم سوف يطردون منها آجلاً أو عاجلاً.