أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

العتوم يكتب: ريبورتاج من وسط روسيا


د. حسام العتوم

العتوم يكتب: ريبورتاج من وسط روسيا

مدار الساعة ـ
ليس بالضرورة أن تكون مراسلا صحفيا حتى تكتب مشاهداتك، ويكفي أن تكون صحفيا ومحللا سياسيا، وأثناء تواجدي صيف العام المنصرم في روسيا الإتحادية الصديقة سجلت ملاحظاتي في عقلي وكانت عيناي كاميرا متحركة ترصد اعجابي بالعاصمة موسكو التي تتمتع ببنية تحتية قوية وبحضارة عريقة جميلة ومذهلة، وأكثر ما أدهشني هناك هو التجوال في جوف أم المدن الروسية هذه التي يصورها الإعلام الخارجي على أنها عاصمة حرب بلا نهاية، وأقصد الأوكرانية أو العملية العسكرية الخاصة الإستباقية الدفاعية التحريرية، بينما هي أشبه بخلية ضخمة متحركة من السكان يزيد تعدادهم عن العشرين مليونا وتقترب من الخمس وعشرين مليون نسمة تتحرك ذات اليمين وذات الشمال بإتجاه الإنتاج الكبير والراحة وبسلام وأمان. ولو أنني لم أكن حقيقة في موسكو لتبادر إلى ذهني بأنني أتجول في باريس أو واشنطن أو مدريد أو في غيرها من مدن الغرب التي تحارب روسيا بالوكالة عبر العاصمة " كييف " ومن دون مبرر مقنع وسيادة أوكرانيا يعرفها القانون الدولي الذي تتمسك به روسيا كما دول العالم.
وفي المقابل يتعرض العمق الروسي وأطراف موسكو لهجمات متتابعة ومتقطعة من المسيّرات الأوكرانية غربية الصنع وتواجه بتصدي تكنولوجي عسكري روسي متقدم، وعادة ما يتم تشويش الإتصالات هناك وفي كل جنوب العاصمة لإحكام السيطرة ومن زاوية أمنية. وتتعرض مناطق ومدن روسية مثل فارونيج وروسوش وبيلغراد لذات المسيّرات المهجنة، ترصد وتدمّر. ومدينة روسوش (800) كلم جنوبا تعتبر من المدن الروسية المحاددة للحرب/ العملية، حيث تبعد من طرف 60 كيلو مترا، ومن طرف آخر أكثر من 281 كليومترا، وأثناء تواجدي هناك ورغم الحياة الطبيعية فيها كنت أشاهد المظاهر العسكرية كما سكان المدينة، طائرات لسلاح الجو الروسي تخترق أجوائها، وطائرات هوليكوبتر غيرها، وناقلات جنود، ودبابات محمولة، لدرجة تحولت فيها المدينة لمحطة استراحة للعسكر، وهكذا ستبقى مادامت الحرب قائمة . وشخصيا أراهن على شخص دونالد ترمب الرئيس الأمريكي السابق أن ينهي الحرب اذا فاز بالإنتخابات الأمريكية 5 نوفمبر القادم .
وحادثة " كورسك " في المناطق الروسية المحاددة لأوكرانيا طغت على أحاديث الناس هناك، وشخصيا كنت متيقنا بأن الجيش الروسي سيطرد المؤامرة الأمريكية بلباس أوكراني عسكري متطرف بنديري، وغيره الغربي من القرى الروسية الحدودية التي يعيش فيها كبار السن فقط في زمن جبهة الحرب في الدونباس، وهذا ما حدث ويحدث فعلا. وشاهدت الإعلام الروسي يبث مقاطعا متلفزة لجنود أوكران يتحدثون الألمانية لتذكير سكان القرى الروسية بالنازية الألمانية ومن زاوية السخرية، لكن السحر الأوكراني في غرب أوكرانيا والغربي انقلب على رؤوسهم، وللمرة الثانية تفشل روسيا الهجوم المضاد الأوكراني الذي هدف لفرض سلام المنهزمين على روسيا، بينما عرضت روسيا – بوتين في وقت قصير سابق مشروعا للسلام وهي المنتصرة في الحرب التي فرضت عليها ولم تختارها . وتؤكد روسيا دوما بأن السلام ممكن لكن فرض السلام عبر التطاول على بسطاء الروس وعلى محطة زاباروجا الروسية النووية غير ممكن .
التقيت في رحلتي هذه سعادة سفيرنا في موسكو السيد خالد الشوابكة، وكعادته دائما يرحب بي وبغيري من الأردنيين ورواد السفارة لحاجات مختلفة والحديث معه مفيد وممتع خاصة عندما تكون في الغربة، وقدمت كتابي الجديد الرابع في السياسة الروسية "اشراقة عالم متعدد الأقطاب" هدية له، وهو الذي قابله بإهتمام الى جانب كتاب بالعربية حصل عليه من نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بغدانوف، لكن ما لفت انتباهي هو أن سكرتيرته الروسية الخاصة المؤقتة ترغب بإظهار بأن سعادته مشغول دائما ولفترات طويلة، والحل للتعامل مع رواد سفارتنا الأردنية الموقرة بالإعلان عن الخط الساخن، وشخصيا كنت محظوظا لتواصلي المباشر مع سعادته وهو ما اسعدني.
أسعار الخدمات والتنقلات اللازمة لزوار العاصمة موسكو ليست رخيصة، وثمة فرق بين من يعيش الحياة السوفيتية وبين طبقة الأوليغارج، والأسعار ترتفع أمام الأعين وكل عام، وتهبط تدريجيا في المدن الروسية الأخرى وفي القرى. والبنوك الروسية الرسمية تتشدد في التعامل مع العملات الأجنبية (الدولار واليورو) من زاوية التصريف، وفي البنوك الزراعية التعامل أفضل، وعلى زائر روسيا أن يتوقع مسبقا إعاقة تصريف ما لديه من عملة أجنبية . وشخصيا لاحظت تعامل إحدى مطارات روسيا الكبيرة "ديموديدوفا" مع اليورو وعدم جاهزية التعامل مع الدولار، يقال لك هناك (مافيش فراطة) . وتوجد صعوبة بالغة خاصة فصل الصيف في الحصول على بطاقات سفر بالقطارات من موسكو بإتجاه الجنوب بسبب الحرب والسياحة الداخلية، وطائرات الرّكاب لا تعمل لنفس السبب. وروسيا بعد الأتحاد السوفيتي أصبحت مختلفة، فهي تسمح بإزدواجية الجنسية من دون الحاجة لطلب ايقاف التعامل مع الجنسية الأصلية، وشخصيا هذا العام حصلت على الجنسية الروسية الى جانب جنسيتي الأردنية، ويظهر الروس في جواز السفر الخارجي للأجانب الجنسية الأصيلة بالروسية والإنجليزية. ويهدف جواز السفر الروسي لتسهيل ترحال واقامة صاحب العلاقة مع روسيا الإتحادية ويمنحه حق التجارة والتصويت .
ولقد أوضحتُ للروس موقف الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله من الحربين الروسية – الأوكرانية / العملية العسكرية الخاصة ومن حرب إسرائيل على قطاع غزة، فعرفتهم بموقف الأردن الحيادي والموضوعي من الحرب الأوكرانية وبمساعي الأردن والعرب للوصول الى سلام عادل ودائم، وبأن الأردن يقيم علاقات متوازنة مع روسيا الإتحادية وأوكرانيا وينادي بتعزيز سيادة كل دولة منهما. وكيف يقف الأردن في المقابل مع أهلنا في غزة ومع القضية الفلسطينية العادلة، يسعى لوقف الحرب الإسرائيلية ويقدم المساعدات الطبية والإنسانية على الدوام، ويدين حرب الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني المسالم والرابض فوق ترابه الوطني بحجة السابع من أكتوبر بينما جذور الصراع العربي الإسرائيلي تمتد الى أكثر من 76 عاما . ووجدت فرقا بين تفهم المواطن الروسي لموقف الأردن والعرب من الحربين الأوكرانية وعلى غزة وبين عدم تفهم المواطن اليهودي الروسي هناك المنحاز لإسرائيل والمروج للإشاعات المضادة للفلسطينيين والعرب .
والخبر السار الممكن الدفع به للأردنيين وللروس وللحجاج والأجانب والأصدقاء هنا هو العودة الأكيدة للملكية الأردنية بين عمان وموسكو، وهي المباشرة والمتميزة عبر التاريخ المعاصر بخدماتها للمسافرين بأسعار تذاكر معقولة وبانضباط في العمل على مستوى مواعيد الطيران . وحاليا تعمل طائرة الأردنية أيضا الأمر الذي سيمنحها فرصة لتطوير خدماتها ان تمكنت من مواصلة عملها بوجود الملكية . وتستحق مملكتنا الأردنية الهاشمية وروسيا الإتحادية الصديقة خطوط الطيران المباشرة فعلا، وحديث اعلامي جاد حول الغاء تأشيرات السفر بين عمان وموسكو، وهي خطوة هامة لتعزيز الصداقة الأردنية – الروسية وعلى كافة المستويات الإجتماعية والإقتصادية والإستراتيجية الأخرى .
مدار الساعة ـ