.. في طفولتنا.. كان لدى جارنا شجيرات صبر كثيرة، وكما هو معروف شهر تموز يكون بداية النضوج لهذه الفاكهة.. والجار كان طيباً جداً ويتركنا نلتقط ما نضج على الأوراق.. ونأكلها.
كنت متيما وقتها بالصبر، كنت أعرف أي واحدة نضجت وأي واحدة مازالت في طور النضج.. وكنت أدرك أن هذه الفاكهة مليئة بالشوك الصغير جدا والذي لا تستطيع العيون أن تميزه، لهذا فأكلها يحتاج لخبرة..
أقراني تسرعوا كثيرا كانوا يلتقطون (حبة) الصبر ويقومون بفتحها دون انتظار وبعد دقائق تبدأ شفاههم بالإنتفاخ والأصابع هي الأخرى تبدأ بالتورم.. كانوا يفتقرون للصبر، يريدون قضمه بسرعة..
أما أنا فكنت أقوم بوضعه في الماء البارد فترة حتى ينسلخ الشوك عنه ويبرد ثم أضع السكين.. وأستخرج اللب من دون أن أعرض نفسي للاشواك، لكن في النهاية لا بد أن تؤلمك يدك لا بد أن تتعرض شفاهك إلى القليل من (الحكة).. من يريد الصبر عليه أن يتحمل الأشواك.
الصبر كان هو الفاكهة المتاحة لدينا، فأنت تستطيع أن تقطفه من أي شجرة.. لم يكن مثل اللوز أبداً، أو مثل التفاح أو السفرجل.. كان يشكل عبئاً على صاحب الشجرة.. فقطافه يجعلك رهين الأشواك.
منذ (50) عاما وأنا ألوك الصبر.. مثلي مثل من هم في سني من رفاق قريتي الوادعة، ونقول في داخلنا إن الزمن والتكنولوجيا ربما قد تصل بنا لمرحلة ننتج الصبر بدون شوك، فقد أتعبتنا الأشواك.. حتى لو أبقيت الثمرة في الماء لأعوام سيظل بعض الشوك عالقا فيها..
أكتب لكم هذا المقال مساء اليوم (الأحد) فقد تورطت بشراء الصبر من محل قريب وأخبرني البائع أنه (منقوع) وصدقته.. وها أنا أعاني من تورم بشفاهي وحكة في الأصابع.. يبدو أن قدر من يحب الصبر هو الابتلاء بالأشواك..
وها أنا أتألم
Abdelhadi18@yahoo.com