عندما يصدر جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، كتاب تكليف للحكومة، فهو ليس مجرد توجيه لرئيس الوزراء، بل هو خريطة طريق شاملة، ترسم ملامح المرحلة المقبلة، وتضع الأسس لنهضة وطنية مستدامة وفي كتاب التكليف الأخير الذي وجهه إلى دولة الدكتور جعفر حسان، خلفاً لحكومة الدكتور بشر الخصاونة، بدت الرؤية الملكية أكثر عمقاً، حاملة رسالة مليئة بالتفاؤل والطموح للوصول بالأردن إلى مستويات جديدة من التقدم والازدهار.
من بين أبرز ما أكده جلالة الملك المعظم، في كتاب التكليف هو التحديث الشامل، والذي بات حجر الزاوية لرؤية الأردن في المئوية الثانية، التحديث السياسي، الاقتصادي، والإداري لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها المرحلة المقبلة. جلالته، يدرك أن العالم يتغير بسرعة، وأن البقاء في المقدمة يتطلب انخراطاً جاداً في عمليات التحديث، ليس فقط لتلبية التحديات الداخلية، بل أيضاً لتحصين الأردن أمام المتغيرات الإقليمية والدولية.
شدد جلالة الملك على أهمية تشكيل فريق وزاري طموح وفعال، قادر على اتخاذ القرارات الجريئة ووضع حلول عملية للتحديات التي تواجه الأردن. الإدارة الفعالة ليست مجرد تنظيم للأعمال الحكومية، بل هي قيادة بأهداف واضحة قابلة للقياس. هنا يبرز توجه جلالة الملك نحو تأكيد مبدأ المساءلة والمتابعة المستمرة، ما يضمن عدم الانحراف عن مسار التحديث وتحقيق النتائج المرجوة.
في ظل تطور وسائل الاتصال وانتشار التحديات المجتمعية، دعا جلالة الملك إلى تكثيف التواصل الميداني المباشر بين الحكومة والمواطنين. هذا التواصل ليس فقط للاستماع إلى مطالب الشعب، بل أيضاً للتفاعل مع قضاياهم وتقديم الحلول الفعالة. فالهدف هنا هو بناء جسور من الثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب، بحيث يشعر المواطنون بأنهم جزء من عملية صنع القرار.
أدرك جلالة الملك أن الاقتصاد هو عصب الدولة، والاستثمار هو المحرك الرئيسي لتحقيق النمو والازدهار. في هذا السياق، دعا الملك إلى تكثيف الجهود لجذب الاستثمارات المحلية والدولية، مؤكداً على ضرورة الاستغناء التدريجي عن المساعدات والاعتماد على قدرة الاقتصاد الأردني في التمويل الذاتي. هذه الرؤية تتماشى مع الهدف الأكبر بتحويل الأردن إلى مركز إقليمي ودولي للاستثمار والتجارة، مما يعزز مكانته التنافسية في المنطقة.
كما هو معروف عن جلالة الملك، فهو من أشد الداعمين للتكنولوجيا والابتكار، وهو ما انعكس بوضوح في توجيهاته بشأن ضرورة الالتزام بالتحول الرقمي في المؤسسات الحكومية. التكنولوجيا اليوم لم تعد رفاهية، بل هي عنصر أساسي لتحسين الخدمات الحكومية وزيادة كفاءتها. التحول الرقمي سيساهم في تسهيل الإجراءات وتحسين تجربة المواطنين والمستثمرين على حد سواء، ويضع الأردن في موقع الريادة في مجال تكنولوجيا المعلومات على المستوى الإقليمي.
لم يغفل جلالة الملك عن أهمية تعزيز مبدأ سيادة القانون والعدالة. فقد وجه الحكومة لتقديم كل أشكال الدعم للجهاز القضائي، بما يضمن نزاهة وفعالية النظام القضائي الأردني. فالعدالة ليست فقط حقاً للمواطن، بل هي دعامة أساسية لاستقرار الدولة وتقدمها، ما يضمن حماية حقوق الأفراد والشركات، ويعزز ثقة المستثمرين في البيئة القانونية بالأردن.
موقف ثابت ودعم لا يتزعزع للقضية الفلسطينية كانت ولا تزال في قلب اهتمامات جلالة الملك. أكد جلالته في كتاب التكليف على ثبات موقف الأردن في دعم الشعب الفلسطيني، ومواصلة الجهود للدفاع عن حقوقه في المحافل الدولية. كما أعاد التأكيد على دور الأردن التاريخي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، تحت مظلة الوصاية الهاشمية.
أولى جلالة الملك المعظم، في كتاب التكليف السامي اهتماماً خاصاً بالشباب، إذ أشار إلى ضرورة تمكينهم وتسخير طاقاتهم في البناء والتطوير، مع تعزيز دور المراكز الشبابية الريادية. جلالة الملك يدرك أن الشباب هم العمود الفقري للمجتمع الأردني، وأن الاستثمار فيهم ليس خياراً بل واجب وطني، فهم قادة المستقبل وحملة راية التغيير.
من هنا جاءت توجيهاته للحكومة بضرورة توفير البيئة الملائمة للشباب، من خلال تفعيل المراكز الشبابية التي تسهم في صقل مهاراتهم وتطوير قدراتهم، وتقديم الدعم لهم في ميادين الابتكار والريادة. كما شدد على أهمية مواجهة التحديات التي يواجهها الشباب، وخاصة فيما يتعلق بآفة المخدرات، ما يستدعي تعزيز جهود التوعية والتثقيف، وتوفير الحواضن المناسبة لهم على كافة المستويات. وبهذا التوجه، يسعى جلالة الملك إلى بناء جيل واعٍ، مثقف، ومنخرط في خدمة وطنه ومجتمعه، ليكون الشباب الأردنيون المحرك الأساسي للنهضة المستقبلية التي يتطلع إليها الأردن في المئوية الثانية للدولة.
جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، يضع الحكومة الجديدة أمام مسؤولية كبرى، ليس فقط لإدارة البلاد، بل لقيادتها نحو مستقبل أكثر إشراقاً، لأنه يؤمن بأن الأردن قادر على مواجهة التحديات والتغلب عليها من خلال إدارة فعالة، تحديث شامل، والتواصل المباشر مع المواطنين. مما يجعل هذا كتاب التكليف السامي وثيقة غنية بالمعاني، مليئة بالأمل، ومرشدة نحو طريق واضح لتحقيق النهضة والازدهار في الأردن.