بداية، لا بد من تعريف قانون الأنذال، والذي يمكن وصفه بأنه نمط من السلوكات والمواقف التي يتبناها الأفراد أو الجماعات بهدف التقليل من شأن الآخرين وإقصائهم. أما قانون الأُصَلاء، فهو يتمثل بالمواقف التي تعكس القيم النبيلة، مثل الاحترام، التعاون، والالتزام بقيم الشرف، والتسامح، حتى في حالات الاختلاف أو التنافس.
وأشير هنا أن مصطلح "اللاأحد" في هذا المقال يرمز إلى الفرد أو المجموعة التي تتبنى قانون الأنذال.
بعد نشر نتائج الانتخابات النيابية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات من نوعية "قانون الأصيل" و"قانون الأنذال"، حيث يعمد " اللاأحد " إلى تصنيف الآخرين وفقًا لمفاهيم ضيقة وشخصية. هذه العبارات أصبحت تتداول بشكل واسع، حتى أنها بدأت تؤثر في النقاشات العامة وتوجهات البعض نحو تقييم الآخرين بناءً على أهواء وتفضيلات شخصية.
هذا الانتشار الواسع استدعى ضرورة تحليل البُعد النفسي لمطلقي هذه العبارات وقراءتها قراءة نقدية، لفهم ما وراءها من دوافع ومواقف، وتحديد تأثيرها على القيم الاجتماعية والأخلاقية. هل هي مجرد تعبير عن الغيرة والتنافس؟ أم أنها انعكاس لنقص في منظومة القيم التي يجب أن تحكم تصرفاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين؟
في زمن الانتخابات، لا تقتصر هذه المشكلة على بعض المرشحين فقط، بل تشمل مجموعة "اللاأحد" من الذين يتفوهون بعبارات مليئة بالعجرفة، مثل قولهم "في قانون الأنذال ما أحب فلان يصير أحسن مني..! وفي قانون الأصيل عسى الفارس من عربنا... !".
حين يتفوه " اللاأحد" بعبارات مثل "عسى الفارس من عربنا"، يظهر تفكيرًا ضيقًا وتعصبًا قبليًا، هؤلاء لا يهتمون بمصلحة الوطن، بل برغباتهم الشخصية، وكأنهم يملكون الحق في تحديد من هو "الفارس" ومن هو "النذل". هذا التفكير يعكس عدم الفهم لجوهر العملية الديمقراطية.
هؤلاء مجموعة "اللاأحد" الذين يعتبرون أنفسهم "أصيلين" قد يكونون في الواقع هم عكس ذلك. فالأصالة ليست مجرد لقب أو صفة يمكن أن يمنحها الفرد لنفسه بناءً على نظرته الخاصة، بل هي سلوكيات ومواقف تعكس قيمًا مثل التواضع، الاحترام، والتعاون.
عندما يدعي المدعو "بلا أحد" أنه أصيل ويحاول التقليل من شأن الآخرين، فهو بذلك يعكس صفات النذالة. فالأصالة لا تُقاس بالتفاخر أو محاولة إظهار التفوق على الآخرين، بل في كيفية التعامل معهم بحب واحترام، حتى عند الاختلاف.
ومجموعة " اللاأحد " يفتقدون في الحقيقة إلى منظومة القيم التي تشكل جوهر الأخلاق. فالأصالة الحقيقية لا تتعلق بالتباهي أو تهميش الآخرين، بل هي مجموعة من القيم الإنسانية النبيلة مثل التواضع، الاحترام. عندما يرون أنفسهم أفضل من الآخرين، فإنهم يكشفون عن فراغ أخلاقي وضعف في فهم القيم الإنسانية والدينية.
إن فقدان منظومة القيم يعني غياب المبادئ الأساسية التي تحكم سلوك الأفراد وتجعلهم قادرين على التصرف بمسؤولية واحترام تجاه الآخرين. هؤلاء "اللاأحد" يفتقدون إلى المبادئ التي تجعلهم يدركون أن الاختلاف في الآراء لا يقلل من قيمة الإنسان، وأن التفوق الحقيقي لا يكمن في احتقار الآخرين، بل في القدرة على فهمهم والتعامل معهم بإنصاف واحترام.
في النهاية، من يفتقر لمنظومة القيم يعيش في عالم ضيق، يحركه الحقد والأنانية، غير مدركين أن الأصالة الحقيقية تُبنى على أسس من الكرامة الإنسانية.