صرّح مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يسعى للعمل على إقامة عائق قوي على الحدود مع الأردن لمنع ما يزعم بـه من "التهريب" خلال زيارته الأخيرة للحدود، كما ادّعى بأنه يريد إبقاء الحدود مع الأردن حدوداً آمنة وبسلام، وزعم بأنه هناك محاولة لتهريب المقاومين والأسلحة عبر نهر الأردن إلى الضفة الغربية وإلى إسرائيل، وذلك بعد أيام من عملية قتل فيها أردني ثلاثة إسرائيليين في معبر اللنبي (جسر الملك حسين كما يسمى في الأردن ومعبر الكرامة كما يسمى في الجانب الفلسطيني).
لم يوضح نتنياهو الجهة التي تقوم بمحاولات التهريب إلى الضفة الغربية عبر الحدود الأردنية، كما أن تلك المزاعم ليست جديدة وانما الجديد بالموضوع هو إطلاق صفة "المخربين". وجب الإشارة أيضاً الى دعوة وزير الخارجية الاسرائيلي (يسرائيل كاتس) إلى الإسراع ببناء جدار على طول الحدود مع الأردن حاملاً معه ادعاء يزعم به بأن هنالك وحدات من الحرس الثوري الإيراني تتعاون مع حركة حماس في لبنان لتهريب أسلحة وأموال إلى الأردن، ومنها إلى الضفة الغربية.
الجدار الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو إحياء لمشروع سبق أن طُرح من إسرائيل قبل نحو 20 عاماً ليمتد من بحيرة طبريا حتى خليج العقبة لكن إسرائيل تراجعت عن المشروع لأسباب مالية. من الظاهر والمؤكد ان إسرائيل استثمرت العملية التي حدثت مؤخراً حيث قَتل فيها أردني ثلاثة إسرائيليين في معبر اللنبي كما أشرنا في بداية هذه المقالة، واستخدمتها ذريعة جديدة لإسرائيل للحصول على موافقة دولية لبناء وتمويل ذلك الجدار وبالتالي لإحياء الحلم الإسرائيلي ببناء جدار على الحدود الأردنية.
هذا حلم، بطبيعة الحال، غير شرعي من ناحية قانونية. حيث أن بناء جدار إسرائيلي على الحدود الشرقية من الضفة الغربية المحتلة يجب أن يكون بموافقة السلطة الفلسطينية بصفتها الجهة الشرعية المسؤولة عن هذه المنطقة، وإذا تم بناء هذا الجدار المزعوم فان لدى إسرائيل فرصة لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية واحتلال مساحات جديدة وتفريغها من الفلسطينيين وبالتالي زيادة عدد اللاجئين من سكان المناطق الحدودية -منطقة الغور-. ومن ناحية أُخرى سيكون الجيش الإسرائيلي مسؤول عن الأمن في منطقة الأغوار كلها والتي تشكل جزءا من الضفة الغربية، بادعاء مواجهة عمليات التهريب المزعومة. هذا الأمر من شأنه إعادة ترسيم الحدود الشرقية مع الأردن الأمر وأي ترسيم للحدود الشرقية يجب أن يتم بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية والأردن بصفتهما الجهتين الرئيسيتين المعنيتين بتلك المناطق، وذلك المخطط يعكس نية اسرائيل في ترسيخ سيطرتها على الأراضي في تلك المنطقة الأمر الذي سوف يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة على عكس ما يدعي به رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ختاماً، تسعى إسرائيل الى تضخيم الأمور والأحداث ولعب دور "الضحية" للحصول على مكاسب مالية جديدة لتنفيذ مخططاتها السياسية والعسكرية والتوسّعية. ان أي عملية تهريب بين الدول الحدودية هي شأن طبيعي، وهذا أمر يحصل في معظم المناطق الحدودية بين الدول في جميع أنحاء العالم وعلى رأسها المناطق الحدودية بين الولايات المتحدة الأمريكية والحدود المكسيكية والحدود الكندية. لم تتأخّر "إسرائيل" بترجمة أطماعها تجاه الخط الحدودي مع الأردن ومن الواضح دائماً أن الحد الشرقي للحدود يُمثل الدرع الواقية ضد أي أطماع إسرائيلية توسعية، كما أنه ذو طبيعة شديدة التعقيد وذلك لمجموعة عوامل، منها طابعه القانوني والجغرافي والسياسي والعسكري، ما جعله يحتل مكان الصدارة وبالتالي لم تخفِ إسرائيل أطماعها التوسعية ولم تتردد في بذل الكثير لكي تتمكن من الحصول على الدعم المالي والمعنوي للهيمنة على المنطقة العربية.