في زمنٍ تكاثرت فيه المغريات وكثر فيه الانحناء أمام المناصب والمكاسب المادية، يظل الأحرار حجر الزاوية في بناء المجتمعات ونهضتها. الأحرار الذين لا يشترون الذمم، ولا يساومون على مبادئهم، هم الذين يُعطون الأوطان معنًى وقيمة، وهم الذين يبثون الحياة في ضمير الأمة.
في تاريخ البشرية، لطالما كانت الأمم العظيمة تُبنى على أكتاف الرجال والنساء الذين رفضوا الخضوع لسطوة المال والجاه، والذين فضّلوا العيش بكرامة على الانحناء للمصالح الضيقة. الأحرار لا يُباعون ولا يشترون، لأن قيمهم وأخلاقهم أغلى من أي ثمن، وضمائرهم عصية على الفساد. هم أولئك الذين يدركون أن الوطن ليس سلعة تُباع في أسواق المناصب، ولا صفقة تُبرم على طاولات المصالح الشخصية.
لكن في كثير من الأحيان، تشهد المجتمعات تراجعًا مؤلمًا حين يتخلّى بعض أبنائها عن قيمهم مقابل مكاسب آنية. هنا يأتي دور الأحرار، الذين يقفون كالجبال في وجه التيار، ليقولوا “لا” لكل ما يناقض المبادئ. إنهم يعرفون أن الثبات على المبدأ هو عنوان الكرامة، وأن الوطن بحاجة إلى من يحميه بالأفعال، لا من يبيعه بالأقوال.
الأحرار هم تلك الفئة التي لا تغريها المراكز ولا المناصب، لأنهم يعلمون أن الوطن الحقيقي لا يقاس بما يمتلكونه من ثروات أو مكانة اجتماعية، بل بما يقدمونه من تضحيات. هم صوت الضمير الحي الذي ينادي بالحق، ويرفض الظلم، ويقف في وجه الفساد، مهما كانت التحديات.
ولعل أعظم ما يُميز الأحرار هو قدرتهم على الثبات في زمن الفتن. في عالمٍ أصبح فيه شراء الذمم أمرًا شائعًا، الأحرار هم الذين يرفضون أن يكونوا جزءًا من هذا المزاد. يعلّموننا أن المبادئ لا تُباع ولا تُشترى، وأن الضمير لا يُقدّر بثمن. يعلّموننا أن الكرامة هي أغلى ما يمتلكه الإنسان، وأنها لا تُساوم.
وفي النهاية، تبقى الأمم التي تدعم وتحترم أحرارها هي التي تصعد إلى قمم المجد، بينما الأمم التي تخذلهم وتتجاهل تضحياتهم، تبقى عالقة في مستنقع الضعف والتبعية. الأحرار هم روح الأمة، وهم من يقودونها نحو التقدم والازدهار.