لو كنت استاذا لمادة تاريخ العرب والمسلمين لاخترت ان اعطي المساق في مخيم صيفي تنصب خيامه على التلال الواقعة غرب مدينة معان في الحميمة او بالقرب من احدى عيون المياه التي تحيط بقرية الجربا وربما اختار منطقة تتوسط اذرح والجربا..
اعرف ان البعض قد يسأل لماذا لم اتخذ البترا مكانا للمخيم وقد يرى البعض اني تجنبت عين موسى وأنظمة ري الانباط وفنون نحتهم وجمال المدينة الوردية التي اختار أهلها ان يجدوا امنهم في جوف الجبال التي سملوا بطونها ليودعوا عائلاتهم وامتعتهم في مئات الكهوف المنتشرة على ضفاف المدرجات والميادين والحلبات وعلى جوانب الاودية والتشعبات التي تتماشى مع الشعاب والسلوع المترابطة بسحر العشوائية المنظمة.
الجرباء كما يلفظها البعض بلدة اردنية جنوبية تقع ضمن حدود بلدية الأشعري وعلى مقربة ٢كم من اذرح هي العنوان الابرز والأهم ومكان إقامة شيوخ الجذوان والصفوق من عشيرة الجازي احد اهم اركان قبيلة الحويطات في جنوب الاردن والعديد من بلدان الشرق الأوسط . فللحويطات حضور واسع في مصر والسودان والسعودية وغيرها من الاقطار العربية وتعتبر هذه القبيلة وديارها منبتا للرجولة والشهامة والفروسية ويصعب حصر مساهمات ابناءها وتضحياتهم وفضائلهم.
لقد شكل كل من حمد بن جازي وعودة ابو تايه و عودة بن نجاد زوايا الهرم للمجد الذي بناه الحويطات فقد ارسيت قواعد الهرم في كل من الرشادية حيث اقام الشيخ حمد ، والجفر حيث جال الفارس الشيخ عودة وفي القويرة حيث جلس القاضي العادل بن نجاد. واتسعت القاعدة لينتظم فيها كبار القوم و ليطاول صعود العز والكرامة قمم جبال الشراة و اطلالات اطويل شهاق ومرقاب مخفر المدورة الذي كان أول الثغور التي حملت علم الإمارة وحمت تكوينها ولعبت الدور الأهم في توظيف عصبية القبائل لحماية وخدمة الكيان الاردني الغض.
في الجربا الف حكاية منسية فلها جاء الطلب العثماني ان تتولى حماية الحجيج وعلى فرسانها اعتمد والي عكا في تأمين سلامة المرور .. في الجربا تتنسم روائح العنفوان وترى أشكال العزيمة التي جسدها عفاش الجذوان وانماطا من الرجال الذين كانوا يمسون في مكان ويصبحون في آخر، لقد احبهم الراحل الحسين ايما حب وحرص على لقاءهم والاستماع اليهم كلما اشتدت الخطوب . كان يدفع بانجاله الأمراء لمخالطة الحويطات ويحرص على ان يمروا على طيات الجبال التي شهدت أبرز التحولات في تاريخ الامة ويظن انهم حراس التاريخ والمكان.
على التلة المقابلة تقع اذرح حيث يمكن ان تسمع صهيلا للخيل او تمتمات لدعاء صحابي فرغ من التيمم استعدادا للصلاة في جنبات المكان. تحت عباءة الأشعري يجتاحك ورع هذا الحكيم وزهده فتشحن روحك بصدق وعفويه وحس لا يوقظه الا الاحساس بدهاء عمرو بن العاص الذي اختلى بهذا الشيخ الورع ليمارس عليه فنون الدهاء وينزع من علي الخلاقة ليهديها الى بني امية .
لا اعرف تماما اسباب تكرار دور هذه المنطقة في تغيير وجه الزمان فبالاضافة الى ما حدث على جبل التحكيم من الانتقال الراشدي الى الأموي يأتي الامام الداعية محمد بن علي العباسي الذي سكن الحميمة واقام قصره فيها ليعلن دعوته بان تكون الخلافة في بني العباس ويعلن انطلاق دولة الخلافة العباسية ليتولى ولده ابو جعفر المنصور الخلافة التي اتخذت من بغداد عاصمة لها واسهمت في تغيير الوجه الحضاري للعالم.
السر الذي تحمله هذه التلال لم يوضع في إطار تحليلي ولم تنسج له قصة متكاملة...