دبت الحماسة فجأة في «روح» الرئيس الأميركي جوزيف بايدن, بعد أن بلغه مقتل أسير يهودي/مُزدوج الجنسية, بين الجثث الست, التي عثرَ عليها جيش الفاشية الصهيونية, شريكه في حرب الإبادة الجماعية, التي يشنها تحالف الشر الصهيوأميركي, على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة, مُهدداً المقاومة الفلسطينية بدفع ثمن غالٍ جراء «الجريمة» التي ارتكبتها بحق الأسرى الصهاينة. بعدما فشلت الخطة/المؤامرة التي وقف خلفها, وزير خارجيته بلينكن بتنسيق مع نتنياهو, في جولته التاسعة الفاشلة كما فشلت الثماني جولات التي سبقتها.
يزعم بايدن الآن, بعدما تنكّر لـِ"مبادرته» التي طرحها قبل شهرين, واستصدر قراراً من مجلس الأمن الدولي حمل الرقم/2735 مُؤيدا لها, بتصويت 14 مندوباً لصالحها وامتناع بريطانيا, أنه/بايدن بصدد طرح مبادرة «أخيرة ونهائية", على طرفَيّ المواجهة في غزة القبول بها أو رفضها, مُنذِرا بأنه سـَ"يغسل يديه» من الملف كاملاً, ويتركه للإدارة الأميركية المقبلة.
وبصرف النظر عن تهديد بايدن الكلامي والذي لا رصيد سياسياً له, خاصة أن مُجرم الحرب نتنياهو لا يحفل به أو يُقيم له وزناً, بل سارعَ/ نتنياهو إلى التمسّك بشروطه السابقة, وبالذات إبقاء سيطرة جيشه النازي على محور صلاح الدين أو (فيلادلفي, وفق نص المعاهدة المصرية الإسرائيلية), فإن مبادرة (إقرأ فخّ) بايدن الجديدة, لا تعدو كونها إعادة إنتاج لما سبقَ طرحه صهيونياً وأميركياً, إذ تنص في بندها الرئيس على (إطلاق الأسرى الصهاينة «كافة"), مع انسحاب جيش الفاشية الصهيونية إلى (خارج التجمّعات السكانية الفلسطينية في القطاع). ما يعني إبقاء القطاع الفلسطيني تحت السيطرة العسكرية للعدو الصهيوني, وبدء «حقبة جديدة» من الاحتلال والقتل والحصار والتنكيل, وبما «يضمَن» في النهاية تنفيذ «مخطط تهجير» أهالي القطاع, وإحلال مئات آلاف بل ملايين المستوطنين اليهود.
وبصرف النظر عن المُلاحظة العابرة التى لفتَ إليها بايدن ردَّاً على سؤال صحافي, بشأن تصريحات نتنياهو حول البقاء في محور فيلادلفي: «ما زلنا نُفاوض، ليس معه/نتنياهو، أنا ـ أضافَ ـ أتفاوض مع زملائي ومع مصر وقطر». كما سبقَ أن أكد/بايدن عقب انتشال جثث 6 أسرى يهود بينهم أميركي/مزدوج الجنسية، أن نتنياهو «لا يفعل ما يكفي» من أجل إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار مع حركة «حماس». ورغم أن تصريحات بايدن بحق نتنياهو أيضاً أثارت «أزمة» داخل كيان العدو». فإن السؤال الأكثر أهمية في هذا المشهد المأزوم والمُحتقِن هو: ماذا عن «دراما» مقتل الأسرى الستة, ومَن يتحمّل مسؤولية مصرعهم؟ دعونا أولاً.. نسأل وسائل الإعلام الصهيونية نفسها, التي علّقتْ أول من أمس/ الإثنين, على ما حدث في أحد «أنفاق» مدينة رفح, التي زعمَ نتنياهو قبل اجتياحها, وفيما كان معظم قادة العالمَ «يُناشدونه", عدم الإقدام على خطوة كارثية كهذه, كون المدينة تكتظ حدود الاختناق بما لا يقل عن مليون ونصف المليون نسمة, أن جيشه سيُطلق الأسرى اليهود كافة, ويُعلن الانتصار الكامل, بعد القضاء على «أربع كتائب» تبقّت من كتائب حركة حماس الـ"24».
كتبت أسرة تحرير صحيفة هآرتس الصهيونية «افتتاحية» الصحيفة تحت عنوان: لحظة الحقيقة للجمهور, جاء فيها: مَن ضغط على الزناد هي حماس، لكن مَن قرّر حكم الموت هو نتنياهو. رئيس الوزراء ـ أضافتْ ـ يُحبُ أن يُفكّر بانه «سيّد الأمن»، وأحياناً «سيّد الاقتصاد» و"سيّد الدبلوماسية»، لكن في مرآة التاريخ ـ واصلت هآرتس ـ هو «لن يكون إلاّ سيد الموت وسيد التخلي». اسمه سيُكتب بدم المخطوفين، مع نهاية أشهر طويلة في ظل الإهمال، التلبث، عرقلة صفقة إثر صفقة – في جلسة الكابينت التي انعقدت في الليلة التي بين الخميس والجمعة حسم أمر إعادتهم أحياء، وأقرّ مشروع قرار يقضي بأن إسرائيل لن تغادر محور فيلادلفيا. لم تُجدِ نفعاً تحذيرات وزير الدفاع/غالنت, بأن معنى هذا القرار هو دفن الصفقة وموت المخطوفين وهم أحياء. كما أن أقوال رئيس الأركان/هليفي لم تُجدِ في شيء. هليفي إدعى بأن الجيش الإسرائيلي سيعرف كيف يعود ويحتل فيلادلفيا عند الحاجة. كل هذا لم يساعد أمام نتنياهو، الذي «لا يعمل وفقاً لاعتبارات الأمن, فما بالك اعتبارات إنسانية"؟ اما ناحوم برنِيّاع في يديعوت أحرونوت فكتب مقالة تحت عنوان: «أيادينا ليست نقِّيّة من دمائهم", قال فيها: نحن نتحمّل المسؤولية عن قتل المخطوفين. ونتنياهو يُضلل الجمهور فيما يتخلى وزراؤه عن مسؤوليتهم. على الجمهور أن يخرج ليفعل شيئاً. إلى أن يحصل هذا كلنا نتحمَّل المسؤولية, نحن قتلناهم. مَن سحب الزناد كانوا الحماسيون: هم القتلة. لكن ـ تابعَ ـ مَن تسبب بموتهم، بالمفهوم الأخلاقي والمفهوم المباشر، العملياتي، أيضاً، كنا نحن. أيادينا ليست نقيّة من دمائهم.