بعد أسبوع، ستفرز صناديق الانتخابات البرلمانية أوراقها، اليوم التالي مهم، ليس، فقط، لاختبار التجربة وتقييمها، أو معرفة أين أخطأنا وأين أصبنا، فهذه تحتاج إلى وقت أطول ومراجعات أعمق، الأهم من ذلك هو البدء بترتيب البيت الداخلي الأردني استنادا لمرحلة جديدة، فمن المتوقع أن تتزامن ولادة برلمان 2024، باعتباره «البروفة» الأولى لمسار التحديث السياسي، مع ولادة حكومة جديدة، ووفق ما لدي من معلومات فإن ماراثون الاستمزاج والمشاورات بدأ فعلا، وثمة أسماء مرشحة، يجري تداولها، لتشكيل الحكومة القادمة، وربما لا يتجاوز موعد الإعلان عنها نهاية أيلول الحالي.
هذا يعني أننا أمام عملية تغيير، أو تجديد، تشمل أغلبية مؤسساتنا الوطنية على صعيد المواقع العامة، صحيح نحتاج إلى دماء ووجوه جديدة، وقيادات كفؤة، لكن السؤال المهم: هل سينعكس ذلك على حركة السياسة والحياة العامة في بلدنا، أقصد خريطة خياراتنا وتوجهاتنا ومواقفنا وتحالفاتنا، على صعيد الخارج وملفاته الملغومة، ثم الداخل وما يواجهنا من تحديات صعبة؟
لا يوجد لدي إجابات محددة، لكن، في تقديري، اتجاهات السياسة الأردنية فيما يتعلق بالحرب واطرافها وتداعياتها لن تتغير بشكل جذري وملموس في المدى المنظور، حتى نهاية العام الحالي على الأقل، الدولة لن تتراجع عن خطابها العام تجاه ما يحدث في غزة وفلسطين، وباتجاه تل أبيب وحكومتها اليمينية المتطرفة، واتجاه طهران التي أخرجنا علاقتنا معها من الثلاجة، فيما سنشهد عملية استدارة للداخل، ربما تكون أوسع وأكثر تركيزا على الوضع الاقتصادي.
أعرف، تماما، أن افتراضات الدولة للتعامل مع حرب غزة منذ نحو 11 شهرا اقتضت خيار المواجهة الدبلوماسية بمنطق «التصعيد»، وذلك لاعتبارات مفهومة تتعلق بالداخل والخارج، أعرف، أيضا، أن انتقال الحرب إلى الضفة الفلسطينية، وما رافق ذلك من ممارسات استفزازية للاحتلال الصهيوني ضد الأردن، ناهيك عن هواجس المخططات التاريخية التي يفكر بها الاحتلال، استدعت المزيد من التصعيد في الخطاب الأردني، وربما الاستنفار أيضا.
هذا، بالطبع، يبدو مفهوما في السياق العام الذي أنتجته صدمة الحرب، لكن ما اعرفه، أيضا، هو أننا أمام حقائق ومستجدات افرزتها الحرب، داخليا وإقليميا ودوليا، تشكل محددات لحركتنا السياسية، وتحتاج إلى مراجعات وتقييمات مستمرة، المعادلة تبدو معقدة، لكن المهم أن نضبط خياراتنا وإمكانياتنا في إطار المصالح العليا للدولة، لا يكفي أن تكون مواقفنا وخياراتنا صحيحة بالمطلق السياسي، وإنما لابد أن تكون في التوقيت الصحيح، وفي الواقع الصحيح والمناسب أيضا، فنحن لسنا اللاعب الوحيد، أو الكفيل الأوحد، هنالك أطراف أخرى يجب أن نحسب حساب مواقفها وأدوارها ايضاً.
هذا يحتاج إلى نقاش طويل، ليس هذا وقته، ما أريد أن أقوله هو أننا ندخل المئوية الثانية للدولة في أجواء ملبدة بغيوم الشك والحذر والترقب، حيث الحرب التي تشكل أكبر تهديد لبلدنا وللمنطقة لم تتوقف بعد، لكن الأهم أن بلدنا ما زال يتمتع بقدر عال من العافية والمنعة والصمود، وما يجب أن نفعله هو أن نرسخ قوة الدولة أكثر وأكثر، وأن تحمل مرحلة التجديد القادمة المتوقعة، سواء في البرلمان، أو الحكومة، أو غيرهما من المواقع في مؤسساتنا العامة، رسائل للداخل تطمئن الأردنيين على سلامة بلدهم ومستقبله، وأخرى للخارج تؤكد أن لدى الدولة الأردنية ما يلزم من أوراق قوة لكي تمارس أدوارها كلاعب أساسي في المنطقة، وتدافع عن مصالحها، وتحافظ على علاقاتها مع العالم، على أساس التعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، كما فعلت ذلك على امتداد تاريخها الطويل.