يواصل الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية التي بدأ فيها منذ عدة أيام، بزعم تفكيك خلايا ارهابية في جنين وطولكرم ونابلس. ومن جانب آخر تداولت الصحف العربية مؤخراً تأكيد حركة فتح في فلسطين رفضها لجميع التدخلات الخارجية، وتحديداً الإيرانية، في الشأن الداخلي الفلسطيني، وذلك منعاً للفوضى وفلتان الساحة الداخلية.
الاّ أن التصعيد الذي بادرت فيه إسرائيل في الضفة الغربية خطير جداً بالتزامن مع أحداث غزة المستمرة، وبالمقابل فإن عمليات المقاومة في الضفة الغربية هي مؤشر بكونها ليست عمليات فردية، بل مُنظمة ومدروسة. وهذا يعني وجود بُنى تحتية وهيكلية تنظيمية، وبالتالي تزداد احتمالية العودة إلى العمل العسكري بشكل أكثر تنظيماً وحضوراً. وكما نعلم فإن العديد من مناطق الضفة الغربية المحتلة تشهد مؤخراً اقتحامات مستمرة من قِبل قوات الاحتلال أسفر عن اعتقال مئات الفلسطينيين وقتل العشرات، ولكن كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح) قالت إن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية في محور الحي الشرقي بجنين موضحة أن تلك الاشتباكات أسفرت عن إصابات مباشرة في صفوف القوات الإسرائيلية.
ولكن هل هذه الأحداث -سريعة الوتيرة- مؤشر على توسعة العدوان على غزة واقحام الضفة الغربية بعملية التصفية؟ وما هو أثر ذلك؟ لقد أدى العدوان المستمر على غزة إلى استشهاد أكثر من 40 ألفاً، وإصابة نحو 94 ألفاً، ونزوح 90% من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة. وتكرار العنف وسحبه على الضفة الغربية يدق ناقوس الخطر وخصوصاً ملف النازحين وتهجير الفلسطينيين.
جميع تلك الاحداث والتصعيدات الأخيرة تفجر من جديد ملف النازحين بقوة ولكن هذه المرة في الضفة الغربية، وبطبيعة الحال يضاف هذا الملف إلى الملفات الشائكة والمتعثرة الأخرى في الضفة الغربية ومنها ملف العودة. وما جرى خلال الأسبوع المنصرم يُنذر بأزمة تحمل بين طياتها مخاطر كبيرة على الضفة الغربية، وقد تتشابه مع ما حصل في غزة. كما أن الإبادة الجماعية بغزة وبدء العدوان على عدة مدن ومناطق في الضفة الغربية لن تنتهي ولن تتوقف دون ضغوط خارجية ويجب فرض عقوبات على إسرائيل لاجبارها على وقف العدوان على غزة وعدم اقحام الضفة الغربية في عملية الابادة الجماعية القائمة إلى اليوم، حيث أن هذه القسوة إلى جانب التحدي الصارخ للقانون والنظام الدولي، هي أمور غير مقبولة وتحديداً عدم تنفيذ الأوامر الأخيرة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن الوضع في غزة بالرغم من أن قرارات المحكمة ملزمة. ان ملف النازحين الفلسطينيين يجب أن يكون محور الاهتمامات السياسية والدبلوماسية والإغاثية على أكثر من صعيد في محاولة للتخفيف عن كاهل الفلسطينيين ما أصابهم من نكبات، وعدم تفريغ الأراضي الفلسطينية من شعبها وبالتالي وضع ملفي "العودة" و"التحرير" على الرف، إلى أجل غير مسمى.
حان الوقت لإنهاء العمليات العسكرية العنيفة بحق الشعب الفلسطيني ومعالجة أطول صراع بلا حل عبر السُبل السياسية ومن خلال التزام إسرائيل في القانون الدولي والقرارات الصادرة عن المحاكم الدولية. فلا خلاف بأن صلاحية السكن والحياة في قطاع غزة بكل وضوح باتت منتهية ومن غير المقبول قانونياً ولا سياسياً ولا انسانياً الإستمرار في ذلك وسحب هذه الظروف اللانسانية إلى الضفة الغربية. وندعو المجتمع الدولي لوقف نكبة ثانية على الأراضي الفلسطينية المحتلّة ومنع استخدام أسلحة بحق المدنيين ذات آثار عشوائية تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح وتدمير البنية التحتية المديمة للحياة في فلسطين وبالتالي الحد من النزوح والهجرة وعدم تفريغ الأراضي الفلسطينية من شعبها.