هل الأردن في خطر؟ لا يوجد دولة في العالم إلا لديها مخاطر وتهديدات تواجهها ، وبلدنا ليس استثناءً، فهو يقع وسط جغرافيا ملتهبة بالحروب والصراعات ، ومن الطبيعي أن يستشعر الخطر ، ومن الواجب أن يكون جاهزا متيقظا، وقلقا أيضا ، لكن ثمة فرق كبير بين القلق المشروع وبين فزعات التخويف المصنوع، الأول ينطلق من دائرة الإيمان بالأردن ،الدولة/ والوطن ، ويتحرك في إطار حسابات واقعية للمصالح العليا ، ويولّد الإرادة والفاعلية ، فيما الآخر يحاول أن يتسلل ك"الاميبا" إلى جسد الأردنيين ، ولا ينتج إلا العجز واليأس والمرض.
على مدى الأشهر العشرة المنصرفة، تعرض بلدنا لحملة من التخويف ، كان المقصود منها جرّه إلى مواجهات غير محسوبة ، تستنزف طاقته ، وتنهك اقتصاده، وتدفعه إلى اتخاذ مواقف لا تتناسب مع إمكانياته ومصالحه، ولا مع السياقات السياسية التي أنتجت معادلات التحالف والنفوذ في المنطقة والعالم ؛ الدولة الأردنية انتبهت لهذه الحملات وتعاملت معها بمنطق الاستيعاب والتوازن فأفشلتها ، لكن منذ أيام انطلقت( بالتزامن مع تطور الأوضاع في الضفة الفلسطينية ) حملة جديدة تحت عنوان "إثارة الفزع" بين الأردنيين ، هدفها إرباك الدولة ، وإعادة تدوير أسطوانات التشكيك بمواقفها وسردياتها.
حملة "إثارة الفزع " هذه ، بدأت بالدعوة إلى لجم أصوات الأردنيين الذين وقفوا ضد محاولات تجيير الحرب واستخدامها لتمرير أجندات تصب في مصلحة الاحتلال ، وزبائنه الذين ينتظرون "تقسيم الغنام "، ثم تصاعدت أكثر لصناعة رأي عام ضاغط للتأثير على خيارات الدولة ، تحت لافتة "الانفجار القادم " الذي لا يطرق الأبواب فقط ، وإنما يقتحمها، الإشارة ، بالطبع، تنصرف إلى أبواب الأردن، والمطلوب (المرغوب :أدق) معروف ، وهو إقحام الدولة في حرب ليست طرفا فيها، وتحويلها إلى فصيل مقاومة ، وتذكيرها بروايات تاريخية مزورة ، ووقائع حالية غير صحيحة، ثم تحميلها مسؤولية عدم الرد على جرائم الاحتلال ، وكأنها -وحدها - من يجب أن يغامر ، ويتحمل تبعات ذلك.
الدولة الأردنية تعرف أين تضع أقدامها، قدمت لأشقائها، -وما تزال - أقصى ما يمكن أن تقدمه من دعم ومساندة ، صحيح القضية الفلسطينية في صميم أولويات الأردنيين ، وما يحدث هناك يؤثر على مجالنا الوطني ومصالحنا الحيوية ، لكن هذا يقع في إطار تقدير المخاطر ، والتعامل معها على قاعدة الدفاع عن الأردن وحمايته ، والحفاظ على أمنه(نقطة)، ولا يجب أن يخضع لأي إعتبارات أخرى ؛ نحن لسنا أوصياء على أي طرف ، ولو وكلاء عن أحد، هذه المعادلة يجب أن تكون واضحة في إطار تعريف وفهم المصالح العليا للأردن ، حيث عمان وأخواتها ، ومعها نظامنا السياسي ومؤسساتنا ، ثوابت لا تخضع للمقارنة، ولا للمقايضة، ولا للمساومة عند ترتيب الأولويات، وحيث الأردن ، وجودا وحدودا، والأردنيون ، هوية وتاريخا ومستقبلا، هم البوصلة والهدف ، وما بعد ذلك يخضع للنقاش.
نذهب إلى أبعد حدّ في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وفي مناصرة اشقائنا في فلسطين ودعم صمودهم، لا تحتاج الدولة لمن يذكرها بنهاية الصبر الاستراتيجي ، وبما يجب أن تفعله ، فهي تعرفه ومستعدة لتجاوزه إذا لزم الأمر، وان تتحمل ما يترتب على ذلك من أثمان ، كما فعلت على امتداد أكثر من 75 عاما ، لكن الأردنيين لا يقبلون أن يكون الأردن مرمى للمزايدات ،وحملات إثارة الفزع ، ودب الصوت العالي ، لقد جربوا مقاولي النضال والحروب فيما سبق، وكشفوا المكائد والمصائد التي حاولوا أن يجرونا إليها.
الدولة الأردنية تتحرك في الاتجاه الصحيح ، وتحسب خطواتها بدقة ومهارة، وتدرك تماما أن ما يصدر عن الاحتلال ضد الأردن في هذه المرحلة بالذات ، وإن كان ليس جديدا ، فهو في إطار حرب نفسية للترويع ودب الذعر في مجتمعنا ، ولهذا يجب أن نكون واعين لهذا المخطط ، وموحدين لمواجهته وإبطال مفاعيله الخبيثة ، أما إذا دقت ساعة المواجهة ، فلدينا جولة (كرامة) أخرى ، نحن -الأردنيين - واثقون أننا من يقررها ، ومن ينتصر فيها أيضا.