نُنهي اليوم ما كنا تحدثنا عنه في مَقالتيّ أمس/ الإثنين وأول من أمس/ الأحد, حول «البحث الفريد من نوعه», الذي كتبَه/ونشرَه في صحيفة «زافترا» الإلكترونية/ «فلاديمير تيماكوف», حامل لقب الدكتوراه في علم الوراثة, والناشط الإجتماعي والسياسي والخبير الروسي في الدراسات السكانية. إذ يكشف لـِ«أول مرّة» أن معدل المواليد لدى «اليهود» في أرض «فلسطين التاريخية», بات يتفوّق على الفلسطينيين منذ العام/2020. على ما قدّم له وترجمَه د.زياد الزبيدي.
يتعمّق الباحث الروسي الرصين في مسألة «غزارة الولادة», لدى «الحريديم/ المُتديّنين المتطرفين» اليهود, بما هم «ظاهرة» لا تقتصر على حدود الكيان الصهيوني. وكان أضاء على ما قام به مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عام/2010, بتقسيم «جميع يهود» البلاد إلى الفئات الخمس التالية:
1) 8% - الحريديم، أو اليهود الأرثوذكس المُتطرفين, الذين يتبعون المؤسسات الدينية اليهودية (قوانين الهلاشا) حتى أدق التفاصيل. (هلاشا تعني يهودي «شرعي». أي شخصٌ يُعتبر يهودياً بموجب القانون الديني اليهودي, أي التشريع الديني اليهودي الوارد في الكتاب المُقدس, والتلمود والأدب الحاخامي لاحقاً, يُعتبر ابن أو ابنة «امرأة يهودية».. يهودياً، ولا يَهم أصل الأب).
2) 12% هم من «الصهاينة المُتدينين»، أو ببساطة أرثوذكس.
3) 13% هم من التقليديين الذين يلتزمون بقوانين الهلاشا في كثير من الأحيان، ولكن ليس في كل شيء.
4) 25% هم من التقليديين غير المتدينين, الذين يلتزمون بالهلاشا بشكل انتقائي للغاية (في المصطلحات الأرثوذكسية/الروسية، «أبناء الرعِيّة»)؛
5) 42% علمانيون/علمانيون، وبعبارة أخرى «مُلحدون».
مُستنتِجاً تيماكوف أن معدلات المواليد لهذه الفئات الخمس, «تباينت» بشكل جذري، وتزايدتْ «على التوالي».. من العلمانيين إلى الحريديم المُتطرفين. وهكذا ـ أضافَ–في العام/2015، كان هناك حوالي «طفليْن» لكل امرأة إسرائيلية علمانية. أما بالنسبة للتقليدي العادي، كان معدل الخصوبة الإجمالي 2.6, في حين كان للتقليدي الديني/3, وكان لممثل «الصهيونية الدينية» «أربعة أحفاد» في المتوسط. لكن/أخيراً، بالنسبة للمرأة «الحريدية» كان هذا الرقم قريباً من «سبعة» أطفال. أي أنه لم يكن بعيداً جداً عن الحد الأقصى, الذي يمكن تحقيقه من «الناحية الفسيولوجية». ومما لا شك فيه–يلفِت الباحث–أن هذا هو الحد «الأقصى» العالمي الفعلي اليوم.
ومن الغريب أيضاً ـ والتعبير لتيماكوف ـ أن معدل المواليد بين اليهود الحريديم الأوروبيين/ الأشكناز, «أعلى» من نُظرائهم الأفارقة/ أي الحريديم السفارديم (اليهود الذين أتوّا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط).
يأخذنا تيماكوف الآن, إلى «خارج» الكيان العنصري/الإستعماري, ليُضيء على ظاهرة «غزارة» الولادة لدى «الحريديم اليهود» في الولايات المتحدة قائِلاً: إذا إهتممنا بالتركيبة السكانية للولايات المتحدة، فلا يسعنا إلا أن «نلفت انتباهكم» إلى حالة شاذة تبدو غريبة. إذ يقوم مكتب الإحصاء الفيدرالي الأميركي, بجمع مجموعة واسعة من المعلومات، بما في ذلك معلومات مُحددة, مثل عدد الأُسر البيضاء الناطقة باللغة الإنجليزية, والتي لديها ثمانية أطفال أو أكثر. ومِن المُتوقع تماماً أن يتم قياس نسبة هذه الأسر الكبيرة في جميع الولايات, بـ"أعشار» النسبة المئوية في كافة الولايات, باستثناء «اثنتيْن»... نيويورك (2.21%) ونيوجيرسي (1.70%). يبدو هذا الانحراف -يُتابِع- أكثر غرابة, لأن كلتا الولايتين جزء من أكبر تجمّع حضري. لقد اعتدنا على النظر إلى المدن الكبرى على أنها «حُفَرٌ ديموغرافية»، وعادة ما نبحث عن «مَحمِيات» العائلات الكبيرة الأبوية في ريف المقاطعات، ولكن «هنا العكس»!.
كل شيء يواصِل الكاتب, يقع في مكانه الصحيح, عندما يتم وضع خريطة التعداد السكاني الكبير للأميركيين, على «خريطة استيطان الشتات اليهودي» في الولايات المتحدة. مع متوسط نسبة «فيدرالية» من اليهود تبلغ 2.1%»، فإن ولايتيّ نيويورك ونيوجيرسي, لديها «أعلى تركيز لبني إسرائيل»... 9% و6% على التوالي. وبفضل الوجود الأرثوذكسي المُتطرف في المجتمع اليهودي، أصبحت الولايات الحضرية «بطلة» في مجال العائلات الكبيرة.
هنا يستنتج تيماكوف أنه بـ«فضل وَفرة الأولاد»، ينمو مُجتمع «الحريديم» في الولايات المتحدة, بالسرعة نفسها التي ينمو بها في إسرائيل. فإذا كان هناك 360 ألفًا منهم في العام/2000 (أي ما يُعادل حوالي 7٪ من اليهود الأميركيين)، ففي العام/2013 بالفعل/530 ألفًا، وفي العام/2020 أكثر من 700 ألف (أو 12٪ من الشتات اليهودي/الأميركي). كذلك تحدُث عمليات مُماثلة في «بريطانيا»، حيث يُشكِّل اليهود، بفضل «مُساهمة الحريديم»، الأقلية العِرقية «الوحيدة» التي «لم» ينخفض معدل ولاداتها في القرن الحالي.
في السطر الأخير.. من بين جميع الادعاءات التي يُطلقها الإسرائيليون «العلمانيون» ضد «المتدينين» -يقول تيماكوف- ربما يكون السبب الرئيسي, هو أن الأرثوذكس المُتطرفين يرفضون الخدمة في الجيش. ويزعم الحريديم أن «إسرائيل» ليست محمية بالدبابات والمدافع الرشاشة، بل بقوة الله، مُشيرين إلى أن الدولة اليهودية لا تزال قائمة، مثل جُرف وحيد، مُحاط بمحيط عربي مُعاد, «فقط » من خلال «صلواتهم». وما إذا كانت هذه هي قوة صلوات الأصوليين اليهود, هو أمر مُثير للنقاش بطبيعة الحال، ولكن قوة إمكاناتهم «الأبوِيّة» تلعبُ, بلا أدنى شك دوراً حيوياً في بقاء إسرائيل. فالحريديم هم الذين استطاعوا أن يُعارِضوا بسلاحهم -أي المُعجزة الديمغرافية- «سلاح انتقام» أحد القادة الفلسطينيين المذكور بداية البحث.