أعادني التصريح «المُرعِب» الذي ادلى به مُتحدَّث مجمع ناصر الطبي/في خان يونس بقطاع غزة المنكوب. ومفاده أن «الطواقم الطبية في المشفى، ومع شحّ المستلزمات الطبية في أقسام الطوارئ»، باتت (تُركّز على إنقاذ الأطفال والنساء «من أجل الحِفاظ على العِرق الفلسطيني» في قطاع غزة). مُضيفاً: نرجو من «أحرار العالم» الضغط على الاحتلال لإدخال ما يلزمنا من مواد (ومستلزمات) طبية.
وحتى لا يتساءل أحد عن «سِرِّ» التركيز على الأطفال والنساء دون غيرهم, نقول: ان ذلك يأتي استناداً إلى «أنّ هؤلاء يُمثّلون أكثر من 70% من ضحايا آلة القتل الصهيوأميركية، سواء أكانوا شهداء أم جرحى أم مفقودين. علماً أنّ آخر بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصحة في القطاع، تُشير إلى 40 ألفاً و265 شهيداً، و93 ألفاً و144 جريحاً، إضافة إلى ازيد من 10 آلاف مفقود.
مع التأكيد على حقيقة أن الإشارة إلى «العِرق الفلسطيني» الواجب إنقاذه, تأتي وسط تحذيرات مُستمرّة من «إبادة جماعية» تُرتكَب بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة. وهذا أمر تثيره جهات عديدة على الصعيد العالمي، مُرتكزة على أدلّة واضحة تتم متابعتها منذ السابع من أكتوبر/2023. ناهيك أنّ محكمة العدل الدولية, كانت أصدرتْ «أوامِر» لدولة العدو الفاشي, باتخاذ تدابير لـِ«منع أعمال الإبادة الجماعية», ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي في القطاع الفلسطيني.
أقول: أعادني ذلك الى دراسة مثيرة ولافتة, لا تقل في مدلولاتها وأبعادها السياسية والديموغرافية, بل خصوصاً في سيرورة الصراع مع المشروع الاستعماري العنصري الصهيوني الإمبريالي في فلسطين, وأقصد هنا الدراسة, بل «البحث الفريد من نوعه», الذي كتبَه/ونشرَه في صحيفة «زافترا» الإلكترونية/ «فلاديمير تيماكوف» حامل لقب الدكتوراه في علم الوراثة, والناشط الإجتماعي والسياسي والخبير الروسي في الدراسات السكانية. حيث يكشف لـِ«أول مرة» أن معدل المواليد لدى «اليهود» في أرض «فلسطين التاريخية», بات يتفوّق على الفلسطينيين منذ عام/2020. على ما قدّم له وترجمَه د.زياد الزبيدي.
يبدأ د. تيماكوف بحثه المثير/والفريد في أرقامه ومعلوماته ومتابعاته الحثيثة والمتخصصة بالقول: عندما انتهت ثلاث حروب عربية ضد إسرائيل بـ«الهزيمة», وفقد المهزومون الثقة في قوة الأسلحة النارية، أصبحت العبارة المنسوبة إلى (أحد القادة الفلسطينيين), عبارة عن «ميم شعبي»: «سلاحنا الرئيسي سيكون رحم المرأة العربية». وكانت هناك ـ يُضيف تيماكوف ــ أسباب جدية لهذه الآمال: فقد كان معدل المواليد في البلدان الإسلامية في الشرق الأوسط آنذاك, قريباً من الحد الأقصى الفسيولوجي، حيث وصل إلى ستة او سبعة أطفال لكل أُم. وكان «اليهود الأوروبيون»، الذين كانوا بمثابة الـ"احتياطي البشري الرئيسي لإسرائيل»، يبدون تقريباً «خارج المنافسة في تصنيف معدل المواليد». وبدا أن الموجة (العربية) القوية ــ يستطرِد الباحث الروسي ــ التي تتكاثر من جيل إلى جيل، سـ«تجرف حرفياً من أرض فلسطين المجتمع اليهودي الذي لديه عدد قليل من الأطفال»، الذين تبنوا في وقت مبكر معايير الأسرة الحداثية. ومع ذلك ــ يلفِت تيماكوف، فقد مرَّ «أقل من نصف قرن قبل أن يتغيّر ميزان القوى, في ساحة المعركة هذه بشكل لا يمكن التعرف عليه».
ما أهمية التحوّل الديموغرافي؟.
يجيب تيماكوف تحت عنوان فرعي: «كل شيء إلا اليهود، أو ظاهرة الخصوبة المميزة» بالقول: في الأحداث التي تجري اليوم في الأراضي المقدسة، يلعب التحوّل الحاد في العمليات الديموغرافية دورًا مهمًا. مضيفاً: في النصف الثاني من القرن العشرين، اكتسب مفهوم «التحول الديموغرافي» شعبية كبيرة. كان من المُفترض أنه في أي مجتمع وصل إلى مستوى معين من التنمية (على وجه الخصوص، في المجتمع الذي تغلّبَ على وفيات الرضع)، يبدأ معدل المواليد في الانخفاض ويتوقف النمو السكاني. وعقدًا بعد عقد، تم تأكيد هذه الفرضية من خلال حقائق عديدة متزايدة.
فـَ«أولاً»، انخفضت معدلات الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال (أقل من طفلين لكل امرأة) في الدول الغربية الغنية، ثم في اليابان وأوروبا الشرقية، ثم في أميركا اللاتينية والبلدان سريعة النمو في منطقة المحيط الهادئ، والمعروفة باسم «نمور الشرق الأقصى». إن هؤلاء المتشككين ــ يُتابِع الباحِث ــ الذين لم يرغبوا في قبول حتمية «التحول الديموغرافي»، بشموليته العالمية، مع احتمال تراجع معدل المواليد في أي أمة، سعوا إلى الحصول على تفسيرات لهذا الانخفاض إما في «التقليد المسيحي»، أو الشيوعية، أو الليبرالية، أو البحث عن اسباب نظرية أخرى - فقط لإثبات وجود علاج - مُعجزة يسمح للمرء بالحفاظ على الأسر المحافظة الكبيرة في عالم حديث.
ماذا عن «الدول الإسلامية»؟.
يقول تيماكوف: في وقت ما، بدا الإسلام بمثابة وسيلة للكثيرين، لأن معدل المواليد في البلدان الإسلامية «ظل مرتفعاً للغاية» حتى نهاية القرن العشرين، الأمر الذي أدى إلى ازدهار ديموغرافي حقيقي لشعوبها. ومع ذلك ــ تابعَ ـ فقد حان الوقت، وانخفض معدل الولادات لدى المسلمين بسرعة أكبر, من تلك التي سجلها المسيحيون والبوذيون. وعندما انخفضت معدلات تكاثر الأجيال إلى «ما دون الواحد», في أنحاء مُختلفة من العالم الإسلامي، من المغرب إلى إندونيسيا؛ وعندما فقدت كل من إيران الثيوقراطية والسعودية, احتمال النمو الديموغرافي، أصبح من الواضح أن اتباع الإسلام, لم يكن أيضاً ضماناً لـ«ارتفاع معدل المواليد».
أين من هناك؟.
نُكمِل غداً.