أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

يا نهار زي بعضه!

مدار الساعة,مقالات مختارة,سيادة القانون
مدار الساعة ـ
حجم الخط

"يا نهار زيّ بعضه!"، أظن أنّها الكلمة التي ترددت على لسان نجمنا المصري المحبوب محمد صلاح وهو يستمع إلى مسؤولي نادي ليفربول يتحدثون إليه عن الفيديو الذي التُقط له، وهو يقوم باستخدام هاتفه، أثناء توقفه على الإشارة الضوئية، ويعبرون له عن خطورة الموقف، واضطرار إدارة النادي نفسها، في خطوة غير مسبوقة، على حد وصف جريدة الديلي ميل، لإبلاغ الشرطة عن الفيديو الذي التقطه مواطنون لصلاح وهو يستخدم المحمول!

بالنسبة لأغلب العرب، فبالرغم من القوانين كافّة والتشريعات والعقوبات الموجودة على استخدام المحمول خلال القيادة، فإنّ لدينا إصراراً على ذلك، حتى لو دفعنا المخالفات تلو الأخرى. وإذا كان نجمنا أُمسك متلّبساً على الإشارة الضوئية الحمراء يطالع هاتفه، فإنّ كثيراً منا يرسل الرسائل ويستقبلها ويجري الاتصالات، ويخالف أنظمة المرور، وهو يقود السيارة في منعرجات خطيرة، من دون أن يشعر بأي وخزة تأنيب ضمير أو بانتهاكه لأيّ قيمة، بل ربما على النقيض من ذلك نظن بأنّ القوانين هي الجائرة!

"يا نهار زيّ بعضه!" ليس لأنّه خالف القانون، بل لأنّ مثل هذه المخالفة أدت إلى صدى كبير وخطير، وقام النادي نفسه بإبلاغ الشرطة، عن أهم نجم له (الذي سيدفع مخالفة مالية وتوضع نقاط ضده)، لكن الأهم من العقوبة المباشرة، هي العقوبة الأدبية، فالمجتمع والإعلام تعاملا مع الأمر وكأنّه فضيحة كبيرة، فيما لا يعدو الأمر لدينا -عربياً- أكثر من مزحة بسيطة مع المخالفات الكبرى للقانون!

يحدثني صديق عن حادثة وقعت مع صديق وزميل لهم أردني كان يدرس في بريطانيا، وتفاجأ في وقت متأخر من الليل بجارته العجوز في حالة صحية طارئة وخطيرة، فطلبت منه نقلها إلى "الطوارئ"، ولأنّ الأردنيين معروفون بالنخوة والحميّة والفزعة غير المحدودة، ولا المقيّدة، فإنّ صاحبنا قاد بأقصى سرعة، وتخطّى الإشارة الضوئية الحمراء، فجر ذلك اليوم، والشوارع شبه فارغة، وأنقذ حياة جارته العجوز!

بعد أيام قليلة تفاجأ بإبلاغ له بالمثول أمام المحكمة، لقطع الإشارة الحمراء. لكن صدمته الكبرى كانت عندما اتصلت به جارته وأبلغته أنّها هي من أبلغ عنه الشرطة، بالرغم من أنّها كانت في حالة أقرب إلى الغيبوبة، لأنّه خالف القوانين، فإنقاذها لا يكون على حساب القانون، وكانت هي الشاهد الوحيد في المحكمة ضده!

تبدو القصة -في البداية- طريفة، لكنّها في جوهرها تعكس حجم الفرق الفلكي بين ثقافتنا العامة وثقافتهم، في قيم سيادة القانون، وهي الحال نفسها التي تنطبق على ما حدث مع محمد صلاح وناديه، فالنادي هو من أبلغ الشرطة، لأنّ المسألة لديه لا تقبل التهاون ولا التساهل أو التجزئة أو التحايل، بالنسبة لهم هي مسطرة واحدة.

مثل هذه الثقافة من الضروري أن تكون جزءاً من المدخلات الجديدة في عملية إصلاح التعليم والتربية، فلدينا فقر دم شديد في إدراك أهمية القانون وقدسيته واحترامه، بل على النقيض من ذلك نتفنن في التحايل عليه والتخفيف من عقوباته، ونتواسط من أجل تخفيف المخالفات المباشرة.

قس على ذلك أيّ مجال أردت في الحياة؛ النائب الذي يتحدّى القانون بإطلاق النار من مسدسه في الأفراح، والمسؤول الذي يعطي ابنه سيارته الرسمية لقيادتها، والشعب الذي يتعامل مع تطبيق القانون من زاوية الجباية، والفاردة التي تعتدي على شرطة السير فقط لأنّها تسجل مخالفة جسيمة تتمثّل بإغلاق الشارع أو قيادة باص ركّاب بدون رخصة!

ذلك على صعيد المخالفات اليومية؛ فكيف سيكون الأمر لديهم عندما نتحدث عن جرائم مثل نهب المال العام، والتهرب الضريبي، والفساد الإداري!

الغد

مدار الساعة ـ