يُحقق المغرب توافقات اقليمية ودولية لصالح مبادرته في "الحكم الذاتي" التي تَقدم بها منذ عام 2007 لحل النزاع حول قضية الصحراء المغربية مع جبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر منذ 40عاما في جملة من التحولات الاخيرة لاعترافات دولية من فنلندا وفرنسا واسبانيا والولايات المتحدة الامريكية، واقليمية اخرى تَشْهدها الرباط مؤخرا بعد افتتاح جمهورية تشاد قبل ايام لقنصلية عامة في مدينة الداخلة المغربية في اقليم الصحراء ما اعتبرته الرباط تأييدا واضحا وصريحا لمبادرتها في ملف الصحراء،لترتفع عدد القنصليات والبعثات الدبلوماسية في مدينتي الداخلة والعيون في الصحراء المغربية الى 29 مما يمنح الرباط جرعة تفاؤل في دعم مسارها السياسي والدبلوماسي لسيادتها على الصحراء من جهة، وتعزيز اجندتها الاستراتيجية على واجهة الاطلسي ورسم توازنات جيوسياسية واقتصادية مع دول الساحل والعمق الافريقي لبناء بيئة مستقرة وآمنة، ومُستَثمِره لمواردها من جهة اخرى.
وبما ان الامن والاستقرار هما احد العناوين المهمة في التجاذبات الدولية والاقليمية لملف الصحراء المغربية، فلا يمكننا تفويت مقاصد الامين العالم للامم المتحدة انطونيوغوتيريش قبل اسبوع خلال تقديمه للتقرير الرسمي حول(الحالة في الصحراء الغربية)المنشور رسميا على الموقع الرسمي للامم المتحدة والذي يغطي الفترة من حزيران 2023 الى حزيران 2024 والمعد اصلا قبل ان تعلن فرنسا وفنلندا تأييدهما للمقترح المغربي الذي اشارت احد بنوده الى"ضرورة التوصل الى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين" مما فتح مجالا للتأويل من الجانبين المغربي والجزائري كطرفين اساسيين في ملف الصحراء المغربية بما اعتبره غوتيريش "مسألة تتعلق بالسلم والامن" في اشارة من مسؤول اممي على كون النزاع هو اختصاص حصري لمجلس الامن الذي له حق النظر والفض فيه باعتباره ملفا يتعلق ب" السلم" و"الامن" في المنطقة، وهنا يأتي السؤال المهم،هل تكون مبادرة الحكم الذاتي التي تتسارع التوافقات الدولية والاقليمية باتجاهها مفتاحا للسلام والامن في المنطقة ودافعا للامم المتحدة باصدار قرار واضح وصريح بدعم خطة الحكم الذاتي لانهاء قلقها تجاه الصحراء والاقليم؟
هذا القلق ايضا الذي يسود القارة الافريقية بعد انقلابات ونزوح ولجوء وهجرات غير شرعية وأزمات حدودية مشتعلة بين جيوش وطنية وحركات انفصالية ومليشيات ارهابية ذات اجندات اقليمية ودولية، ربما يدفع دول الساحل والعمق الافريقي للتفكير بمسارات وحلول سياسية تلقي بظلالها نحو مناخات آمنة ومستقرة للمنطقة لاستثمار مواردها بمشاريع تنموية واقتصادية،بعد ان استغلت عبر تاريخها الاستعماري لطاقاتها البشرية التي يعاني 60% منهم الفقر والجوع رغم خيراتها من الذهب والالماس والغاز وحقول البترول وأهمية سواحلها الاستراتيجية الملاحية منها وما تكتنزه من ثروة سمكية هائلة، مما يبقيها وجها لتزاحم مصالح القوى الدولية التي تتغذى على نشر الفوضى وخلق ازمات متشابكة بين الدول احدثها التوترات التي تعانيها حدود مشتركة ابرزها الحدود الجزائرية على الجهتين الجنوبية والشرقية بين الجيش المالي وانفصالي منطقة ازاواد وقوات فاغنر وحضور مستمر لقوات حفتر على حدودها الشرقية مع ليبيا في اهم المناطق الاستراتيجية الغنية بحقول النفط والغاز، بوقت تستعد به الجزائر لمشروعها الاقليمي لانبوب الغاز العابر للصحراء الذي يفترض ان يربط الجزائر والنيجر ونيجيريا ما يطرح تساولا حول امكانية توفيربيئة امنة ومستقرة لاكتماله بوجود جملة من التوترات الحدودية هناك وانعكاساتها الامنية في المنطقة؟
وداخل هذا المناخ الاقليمي المزدحم بالانقلابات العسكرية والعنف والارهاب والفقر وتجارة البشر والهجرات غير الشرعية فان موريتانيا تعتبر احدى اكثر الدول استقرارا في منطقة الساحل، التي لم تتعرض لاي هجمات منذ 2011 بحكم سلوكها الحذر في منطقة تتسم بحدة الصراع الجيوسياسي بين القوى الاقليمية والدولية، ومحاولتها المستمرة للحفاظ على التوازن في سياستها الخارجية والدولية، وفي علاقتها مع الجزائر والمغرب خاصة والتي تتناغم مع الاخيرة في تعزيز فرص الاستثمار والاستقرار ومعتبرة مبادرة الاطلسي الاكثر حضورا في تحقيق تنمية شاملة لدول الاقليم والساحل للتحكم في ثرواته الغنية ومستقبله وامن شعوب المنطقة، مما استدعى الرئيس الموريتاني مؤخرا لتوجيه خارجيته لافتتاح قنصلية عامة الاولى من نوعها في الدار البيضاء كمؤشر لتأييدها لموقف المغرب في الصحراء الغربية.
يبدو ان معاناة شعوب هذه القارة والاختناقات الاستعمارية والانقلابات المتتالية شكلت قبل اشهر تحديا تجاه النفوذ الامريكي والفرنسي ومستقبل الدور الاوروبي برمته في المنطقة، في تشكيل كونفدرالية دول الساحل الافريقي للتنسيق السياسي والاقتصادي والعسكري في مواجهة الجماعات الارهابية متهمة الغرب بانتهاج سياسة الغموض في محاربة الحركات الارهابية لصالح الغرب،وبغض النظر عن نجاح او فشل هذه الكونفدرالية،الا ان الهموم الامنية المشتركة لشعوب القارة والاقليم لربما ايضا يدفع مزيدا من دول المنطقة نحو مبادرة الاطلسي كخيار يعبر عن مصلحة مشتركة لشعوب المنطقة لتتفرغ طاقاتها البشرية الهائلة في استثمار مواردها الضخمة ولصالحها، هذه الطاقات الشابة اليوم التي يفوق عددها في القارة عشرات الملايين اشار اليها الامين العام للامم المتحدة قبل اسابيع منتقدا غياب مقعد دائم للقارة الافريقية في مجلس الامن الدولي والى ضرورة ان تعكس المؤسسات الدولية عالم اليوم وليس عالم ما قبل 80 عاما.
ما بين حالة التوتر داخل القارة وما يشهده المغرب من استقرار سياسي ووضوح اجندته المستقبلية لخطط التنمية وحراكه الدبلوماسي لانهاء النزاع في منطقة الصحراء، مع ابحار جهات فاعلة عالمية ذات مصالح مبطنة في المياه الجيوسياسية في القارة الافريقية، ودخول كتلة منافسة كروسيا والصين امام التحالف الغربي الامريكي في هذه القارة، فان بوصلة المجتمع الغربي- الامريكي تتجه نحو مصالحها الاستراتيجية الرافضة للوجود الصيني والروسي وعلى الواجهة الاطلسية تحديدا باعتبارها محيطا غربيا وفضاء اقتصاديا وعسكريا يربط جانبي الاطلسي والعواصم الغربية والتي تريد ان يبقى الاطلسي غربيا بامتياز، مما لا نستبعد اعترافات غربية جديدة لالمانيا وهولندا وبريطانيا الذين أبدوا تفهما للموقف الغربي الداعم للمبادرة المغربية كدول لها رمزية في الفعل الدولي ولما تتمتع بحق الفيتو في مجلس الامن وتاثيرها بقرار الامم المتحدة القادم لهذا الملف، فهل ستشكل هذه المناخات فرصة لمبادرة الحكم الذاتي الهادفة لاستقرار المنطقة، ام ان هناك حسابات اممية تسعى لابقاء حالة التعثر قائمة في ملف الصحراء؟