تمتد العلاقات الشخصية بين اسرتي والاسرة الرفاعية لثلاثة اجيال، اذا بدات بالعلاقة بين دولة المرحوم بإذن الله سمير الرفاعي الجد ووالدي رحمهما الله، ثم امتدت مع دولة الراحل المرحوم زيد الرفاعي الذي عرفناه وتعاملنا معه ابي وانا وابني حسن، وصولا الى دولة السيد سمير زيد الرفاعي امد الله في عمره.
إنطلاقًا من هذا التعامل والمعرفة، خاصة المعرفة بتفرد زيد بحجم ثقة الحسين به ، والمعرفة بطبيعة شخصية وتركيبة زيد الرفاعي، وقدرته على التحمل وامتصاص الصدمات، واجتياز المصاعب والمطبات، لما تفرد به من هدؤ وقوة اعصاب وقدرة على الاحتواء ، كتبت عنوانا رئسيا لجريدة اللواء من كلمتين هما (استراحة محارب)،عند استقالة حكومة دولة المغفور له زيد الرفاعي
عام 1989، وهي الاستقالة التي يطول الحديث حولها، وحول الظلم الذي وقع عليه وتحمله صبرا على البلاء وايمانا بالمستقبل.
لم يخب ظني فما ان لبث دولته الا ان عاد رئيسا للسلطة التشريعية، ليختم حياته السياسية بخطوة تفرد بها ولم يسبقه اليها احد من السياسين الاردنيين عندما اعلن اعتزاله للعمل السياسي وهو في ذروة عطائه، ومثلما لم يسبقه احد في الاردن بهذه الخطوة، فلم يفعلها من بعده احد، حتى الآن، وهذه واحده مما تفرد به الراحل الكبير من مزايا وصفات، منها انه ليس من الساسة الذين يصنعون حضورهم من خلال تلبية الدعوات للولائم،من (كل من هب ودب) ، فقد كان حريصا على حفظ مكانته حفظا لمكانة المواقع التي شغلها، لذلك صنع زيد الرفاعي حضوره بما يصنع به رجل الدولة الحقيقي حضوره الاصيل والكريم والمهاب، الذي يحترم نفسه ويحترم من يستحق الاحترام.
وعندي ان رحيل دولة المغفور له بإذن الله زيد سمير الرفاعي، في هذا التوقيت يشكل خسارة مضاعفة للوطن، ذلك ان زيد كان بقية طبقة من رجال الدولة الذين يحن الاردنيون لهم والى زمنهم وحضورهم ورأيهم. واخلاقهم السياسية التي ترفض الاسفاف والرقص على الحبال. مثلما يحن الاردنيون الى الرؤية السياسية الاستشرافية التي كان يتمتع بها زيد الرفاعي، لذلك سيظل الاردنيون يحنون الى هذه الطبقة من الرجال، حتى وان اختلفوا حولهم، ذلك ان الناس لايختلفون الا حول الكبار من امثال زيد الرفاعي رحمه الله. الذي غادر جسده دنيانا، وهو يحمل في كفه وسام شرف رسمته رصاصة غدر حاولت اغتياله ،وهي رصاصة أطلقتها الفئة الباغية التي غدرت بالشهيد وصفي التل، ذلك ان زيد الرفاعي كان من الفئة القليلة التي صمدت بجوار الحسين ابان فتنة أيلول الاسود، فقد كان زيد صديقا شخصيا وفيا للحسين وقريبا منه ومحل ثقته،بالاضافة الى انه رجل دولة أصيل يصمد في الملمات، لذلك لم يكن غريبا ان تغلبه دموعه وهو يرثي الحسين يوم وفاته، ولم يكن غريبا قبل ذلك ان يكون زيد الرفاعي و وصفي التل وحابس المجالي وزيد بن شاكر واحمد الطراونة هم القلة القليلةالتي شكلت سوار المعصم الذي احاط بقائد الوطن لحمايته حماية للوطن ممن ارادوا به السؤ من خلال فتنة ايلول الاسود، وعندما فشلوا في تمرير مؤامرتهم على الوطن حاولوا تصفية رجالاته فاستشهد وصفي واصيب زيد الرفاعي، الدبلوماسي الذي شكل جسرا متينا لتواصل الاردن مع العالم على وجه العموم، ومع الوطن العربي على وجه الخصوص، ومع بلاد الشام على وجه اخص، فلما رمم زيد علاقات الاردن مع دول عربية وصديقة، بعد ان كان اخرون قد افسدوها.
ولم يكن غريبا ايضا ان يكون زيد الرفاعي وفيا للوطن وقيادته، فالرجل بذلك يكون وفيا لذاته ولتاريخ اسرته، فهو ابن دولة المرحوم سمير طالب الرفاعي، احد اهم بناة الدولة الاردنية منذ مراحل التأسيس الاولى للدولة، واحد اهم رؤساء الوزرات في تاريخها، فقد كان رئيسا لمجلس الوزراء الذي نسب للحسين بقرار تعريب الجيش، مثلما كان المرحوم سمير طالب الرفاعي هو رئيس الوزراء الذي انحاز للديمقراطية فقدم استقالة حكومته اثناء مناقشات النواب لبيان الثقة بحكومته رافضا الضغط على النواب او الالتفاف على الديمقراطية.وهو الوفاء الممزوج بالاعتزاز بتاريخه الشخصي ممثلا بابيه وهما الوفاء والاعتزاز اللذين دفعا دولة المرحوم زيد الرفاعي لقضاء نهارا كاملا معنا عندما نظمنا ندوة (سمير الرفاعي قراءة في سيرته وتجربته) ، يستقبل معنا في المركز الثقافي الملكي وفي مدينة الحسين الرياضية، ضيوف الندوة التي عقدناهافي اطار سلسلة ندوات قراءة في تاريخ الاردن السياسي المعاصر، بتنظيم من مركز البيرق الأردني للدراسات والمعلومات، الذي خلفته جماعة عمان لحوارات المستقبل، التي كانت محل احترام الراحل زيد الرفاعي ، الذي استقبل معنا الضيوف وفاءا منه لابيه.وتقديرا منه لجهدنا في الاضاءة على تاريخ الاردن المعاصر، وهي صفة تقود الى اخرى من صفات الراحل وهي صفة التواضع بلا ابتذال.وهو التواضع الذي كان يتجسد بالكثير من سلوكيات الرجل ومنها الحرص على التواصل مع الناس . ولا اذكر انني طلبت منه موعدا للقائه فتاخر بالاستجابة بحميمية تشعرك بالدفء.
حقيقة ان الناس اختلفوا حول زيد، وهذه من علامات عظمة الرجل وتأثيره، فالناس لايختلفون فيمن لا اثر لهم في محيطهم ومجتمعهم، وقد كان زيد الرفاعي من المؤثرين في مسيرة الوطن، لانه كان ممن تعرف بهم المواقع، لا من الذين يعرفون بالمواقع.
لقد عرفت الراحل زيد الرفاعي في كل المواقع التي شغلها، كما عرفته خارجها، وفي كل الحالات كان الرجل صاحب هيبة وحضور، ولكنهما الهيبة والحضور المجبولين بالتواضع والرقة والترفع عن السفاسف. كما كان واسع الصدر يؤمن بالراي الاخر، ويسعى لاحتوائه بالحوار، رغم انه عرف بالحزم والقدرة على اتخاذ القرار مهما كان قاسيا مادام فيه مصلحة للدولة.
رحم الله زيد الرفاعي وغفر له. واعان وريثه سمير على حمل امانة تاريخ ابيه وجده.