سيكون لهذه الزاوية تركيز خاص على موضوع المديونية في المملكة وما تحمله من هموم ومخاوف مشروعة لدى الكثير من المراقبين، حيث سيتم التركيز من خلال مقالات متخصصة بطريقة علمية وعملية حول استدامة الدين في الأردن وقدرة الحكومة على السيطرة عليه في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية.
ولا تهدف هذه المقالات إلا سوى لتوضيح حقائق علمية وواقعية في آن واحد حول حقيقة المديونية في الأردن، ومستوياتها، ومستقبلها في ظل مختلف السيناريوهات، وذلك لتوفير صورة متكاملة لصانع القرار السياسي، والمراقب، والمواطن معا عن هيكلة المديونية وتوجهاتها المستقبلية بعيدا عن الإشاعات والشعبويات والتحليلات البعيدة عن المعلومات الصحيحة والدراسة المنطقية العلمية في هذا الشأن.
لذلك، لا بد من توضيح مجموعة من الحقائق العلمية حول الدين قبل الخوض في تفاصيله، أولها أن ارتفاع مستوى الدين العام لا يكون المعيار الأوحد للحكم النهائي على وضع المديونية والمخاطر المترتبة عليها، وهذا ما سنوضحه بالأرقام والمؤشرات في المقالات اللاحقة.
هناك برنامج إصلاح هيكلي مع صندوق النقد الدولي يهدف للوصول إلى نسبة دين لا تتجاوز الـ80 % من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية البرنامج في 2028.
مسألة احتساب ديون صندوق الضمان الاجتماعي ضمن هيكل الدين تتعلق بمعايير محاسبية دولية لدى الجهات المانحة والمؤسسات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وهي صاحبة هذه المبادرة وليست الحكومة، فالأخيرة ملتزمة بدفع كل ما عليها من ديون داخلية وخارجية في مواعيدها المحددة، ولم يسبق لها أن تخلفت عن السداد منذ عقود، وبالتالي، فإن أساس الاستحقاق الفعلي موجود، لكن نظرة الجهات الخارجية للدين تستثني مديونية الضمان.
علينا أن نعترف جميعا أن الأزمات الدولية ألقت أعباء مالية كبيرة على المديونية الأردنية بشكل مفاجئ وغير متوقع، كما حدث في جائحة كورونا وضغوطات النفقات التمويلية من المجهود الصحي ودفع كافة الالتزامات، بالإضافة إلى النفقات الطارئة وغيرها، وكلها ساهمت في قفزات غير مسبوقة للدين، وهي جميعها خارج سيطرة الحكومات، وهذا ما سنشرحه بالتفصيل في مقالات لاحقة.
رغم كل التحديات، واصلت الحكومات التزاماتها بالسداد بشكل حازم، وهو ما عزز ثقة المستثمرين والمانحين والمؤسسات الدولية بالسلوكيات الاقتصادية للحكومة، لذلك، مُنحت الحكومة مساحات مالية متنوعة وخيارات متعددة لتمويل احتياجاتها من مصادر داخلية وخارجية بشكل مرن أدى إلى تأمين كافة احتياجاتها.
كما سمح لها ذلك أيضا بالتحرك السهل والسريع في الأسواق الخارجية للحصول على تسهيلات مهمة في أوقات تختارها الحكومة، وليست مفروضة عليها، وضمن أسعار فائدة أقل مما هو معمول به في الأسواق العالمية.
لذلك، ورغم كل تحديات المنطقة والإقليم، انخفضت مخاطر التمويل المترتبة على إعادة التمويل في ظل وجود سيولة متاحة للاقتراض لدى البنوك ووفورات كافية لدى صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي.
وأخيرا، فإن رفع التصنيف الائتماني للمملكة من شأنه أن يساهم في تخفيض تكاليف الاقتراض مستقبلا، ويساعد على معالجة الدين وإشكالياته المستقبلية بأسلوب مرن، وهو في نفس الوقت مؤشر على سلامة النهج الاقتصادي والمالي في المملكة المرتبط أساسا باتفاق هيكلي مع صندوق النقد الدولي؛ مما يعزز تعاون المجتمع الدولي مع المملكة.