كنت مع بداية العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية كتبت مقالا تحت هذا العنوان وها هي ذي الأيام تثبت أن التضليل الذي تمارسه إسرائيل حول الازدهار باستبدال السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها بسلام اقتصادي قد ثبت زيفه.
لكن ثمة مدخلان جديدان لاثبات هذا التضليل.. اما الاول فاطرحه بصيغة سؤال: لماذا لا يقترب صندوق النقد الدولي الذي يمثل كبار الدائنين وهم القوى العظمى من اسرائيل
رغم ان ديونها بلغت في نهاية العام الماضي 1.12 تريليون شيكل (299.18 مليار دولار)، ما يستدعي تنفيذها اصلاحات اسوة بالدول المدينة في العالم والمنطقة؟.
اما الثاني فكيف لهذا الكيان الذي دمر وقتل وتسبب حتى الان بخسائر اقتصادية كبيرة ومرهقة لاقتصادات المنطقة والعالم ان يصنع سلاما اقتصاديا؟.
لحسن الحظ حتى الان فشلت مساعي إسرائيل في استبدال السلام القائم على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما يسمى بالسلام الاقتصادي.
فما يفعله هذا الكيان المتطرف لا يمكن ان يقود الى ازدهار او علاقات طبيعية مع اي من دول المنطقة فقد حظي بما يكفي من الرفض الشعبي ناهيك عن صفته الانانية والانتهازية التي تستفيد ولا تفيد كما هي طبائعه وكما علمتنا التجربة حتى الآن!.
كان الأردن تتبع محاولات اسرائيل للقفز على الحلول السياسية التي تمنح الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني باقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام ٦٧ وكان واضحا في التنبه الى ان ذلك لن يحقق السلام المنشود.
لم يقف هذا الكيان عند هذا الحد فهو لم يكف عن العبث في ساحتنا الداخلية وله عملاء سواء اولئك المتحمسين له او المضللين او العاملين باجرة واخرها محاولات الايقاع بين اطراف في فلسطين وبين الاردن بزعم ان الاولى تستهدف تهديد الاردن وهذا محض هراء ونحن لا نستغرب بل نحذر من ان بعض عملاء هذا الكيان قد يقدمون على فعل ما والصاقه بالفلسطينيين هذا طبعا عدا عن العبث الضخم عبر فضائنا الالكتروني بالزي والشائعات لانه يعرف ان الاردن هو الترس الشعبي والرسمي الداعم للقضية الفلسطينية.
بالعودة الى خرافة السلام الاقتصادي التي سقطت كان هناك اطراف في المنطقة تماهت مع الطرح الاسرائيلي لكن ما قبل العدوان على غزة شيء وما بعده شيء اخر وعلى الاطراف التي اعتقدت ان الحل الاقتصادي قد يكون بديلا عن الحل السياسي في المنطقة مراجعة مواقفهم.
هل تذكرون الخريطة التي عرضها نتنياهو في الامم المتحدة والتي كان فيها تجاهل تام للشعب الفلسطيني وحقوقه والذي استبعد تماما من الرفاه الاقتصادي الذي يبشر به.
لن تمهله الايام كثيرا اذ داهمته احداث غزة لتعود به الى المربع الاول.. فالشعب الفلسطيني موجود ولا يمكن تجاهله كما سبق وان فعلت جولدمائير عشية اعلان تاسيس ما يسمى بدولة اسرائيل.
الاحداث تعيد الامور الى المربع الاول اذا تبين انه لا يمكن تحقيق سلام اقتصادي من دون سلام سياسي يحقق الدولة الفلسطينية المستقلة والناجزة وهو ذات الطرح الذي لطالما اسس عليه جلالة الملك عبدالله الثاني ومن على ذات المنبر منبر الامم المتحدة اذا لا يمكن تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في اي تسوية مقبلة ولا في اية مشاريع براقة، وهذا الشعب يثبت باستمر ليس فقط انه موجود بل انه معادلة صعبة ليس ممكنا تجاوزها.
كل المشاريع التي طرحت حاولت القفز عن هذه المبادئ وحاولت تجاوز هذه الحقوق وتجاوز الشعب الفلسطيني لذلك فانها لم تفلح.
مع ذلك فلا بد من ملاحظة أن اي مشروع اقتصادي اقليمي يتجاوز القضية الاساسية وهي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة لن يحقق التوازن ولا المكاسب التي يطلبها وسيكون المقصود به هو خدمة استراتيجية لاسرائيل التي تريد سلاما من دون منح الحقوق ومن دون الفلسطينيين.