شهور العدوان على غزة كانت بوابة لحكاية جديدة في العلاقة الاردنية الإسرائيلية، فالاطار النظري للعلاقة هو معاهدة السلام رغم جمود وتوتر العلاقات السياسية،لكن الواقع والمشهد الذي رسمته السياسة الاردنية والموقف الاردني المساند للقضية الفلسطينية ولغزة يقول انها العلاقة الاكثر توترا حتى امام علاقات دول ليست موقعة اتفاقات مع اسرائيل، والسبب ان الاردن يدرك جيدا مالذي تهدف اليه سياسة حكومة نتنياهو ومن معه من تنظيمات متطرفة.
وقبل العدوان على غزة تصدى الاردن للنهج الاسرائيلي لقتل اي محاولة لاقامة سلام حقيقي نهايته اعطاء الفلسطينيين حقوقهم على أرضهم واهمها الدولة الفلسطينية، وكان الموقف الاردني مؤذيا للاحتلال لان الاردن دولة مؤمنة بفكرة السلام وهذا الايمان والمصداقية الاردنية قطعت الطريق على محاولات الكيان التحريض على الاردن لدى الدول المؤثرة،وعندما جاء العدوان على غزة كان الاردن مدركا ان اسرائيل اعلنت الحرب على غزة ضمن سياق مشروع سياسي تحدث عنه قادة الاحتلال ومحصلته تصفية القضية الفلسطينية وتهجير ما امكن من سكان غزة وتفكيك القضية الفلسطينية الى قضايا معزولة عن بعضها في الضفة وغزة والقدس،ومن هذا الفهم تعامل الاردن بوضوح مع العدوان فالامر ليس ردا عسكريا من اسرائيل على عملية عسكرية قامت بها حماس.
ومن يتابع الموقف الاردني منذ بداية العدوان وحتى اليوم يرى عمق ووضوح وشراسة الموقف والخطاب الاردني،وفي الجوهر ان الاردن يرى نهجا اسرائيليا ليس على اجندته الا حرمان الفلسطيني من حقه السياسي والوطني وفتح الابواب لحلول على حساب الفلسطيني والدول المستضيفة لهم وفي مقدمتها الاردن.
واذا كان تعامل اسرائيل خلال العقود الاخيرة مع عملية السلام كوسيلة فان الاردن في ظل المنهجية العدوانية الإسرائيلية في غزة ومنهجية قتل فكرة السلام اصبح يرى في العلاقة مع اسرائيل وسيلة لحفظ مصالحه وخدمة الأشقاء الفلسطينيين، وهو موقف صنعته سياسة حكومات اسرائيل خلال اكثر من عقدين من الزمن،وهذا الرأي قابل للتغير اردنيا للتعامل الاستراتيجي مع فكرة السلام اذا ماتغيرت اولويات من يحكم كيان الاحتلال.
غزة وماقبلها تركت اثرا في العقيدة السياسية لأكثر الدول اعتدالا ليس تجاه فكرة السلام بل تجاه ماصنعته المعاهدات من واقع سياسي.