سؤال طرحَه عبر مقالة له هذا الاسبوع, في مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية, لورانس كروب/ مساعد وزير الدفاع الاميركي السابق. مُقترِحاً » أربع استراتيجيات» وصفَها بـ«ألمُتميزة",مطروحة للإدارة المقبلة. ومتسائِلاً: ما هو جوهر هذه الاستراتيجيات؟. وإذ عرّج الكاتب قبل شرح تلك الإستراتيجيات الأربع «المُتميّزة", على مسألة انسحاب بايدن من السباق إلى البيت الأبيض، وتوصيف أدائه السياسي بالكارثة, من قِبل أكبر المواقع الإعلامية، لافتا الى شعور مُعظم الأعضاء الديمقراطيين, في مجلسيّ النواب والشيوخ, بالقلق بشأن انتخاباتهم الخاصة. وإعتباره ما يتعلق بـ"جوهر السياسة» في المناظرة بين بايدن وترمب, «مجرد خطوة» في رحلة ستتطلب أشهراً من الحملات الانتخابية, بين ترمب وهاريس لفرزها. فإن «كورب» رأى ان مواقف المُرشحين والأحزاب المختلفة, بشأن السياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية الأميركية, تكتسب أهمية خاصة في هذا الصدد. فالعالم ــ أضافَ ــ يتحوّل من نشوة الانتصار الأميركي والغرور الديمقراطي الليبرالي, التي سادتْ بعد الحرب الباردة إلى صورة أكثر تعقيداً. وتؤدي عودة الحروب والصراعات الأخرى بين القوى الكبرى، وخاصة فيما يتصل بالقدرات والتطلعات المتزايدة للصين وروسيا، إلى «خلق حالة من عدم اليقين", بشأن الأهداف السياسية للولايات المتحدة واستعدادها العسكري في أوروبا وآسيا.
في إطار هذه القراءة اللافتة وربما يصح القول بـِ"حذر» شديد, «القراءة الصريحة", واصل مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق الإشارة الى «تحديات أخرى باتت على جدول الأعمال الدولي بل والأميركي خصوصاً قائلا: علاوة على ذلك، تُساهم التحديات غير المسبوقة في تغير المناخ والأوبئة؛ والجهود الرامية إلى «خلع الدولار» كعملة مرجعية للمعاملات الدولية؛ والهجرة الجماعية بأعداد غير مسبوقة؛ والتكنولوجيّات الجديدة للحرب السيبرانية، والذكاء الاصطناعي، والاستخدامات العسكرية للفضاء، في «موجة مُحتملة من زعزعة استقرار الأنظمة السياسية, وإزعاج التخطيط العسكري». والواقع ــ تابعَ ـــ أن «اليقينيات» التي يعيشها الساسة ومستشاروهم العسكريون اليوم, قد تصبح مُجرد «تخمينات» في الغد.
من خلال ها التقديم المُستفيض والإضاءات التي حفِل بها, على ملفات وقضايا فرضتْ نفسها على جدول الأعمال الأميركي خصوصا, يَلِج لورانس كورب الى الواقع السياسي الأميركي, بالحاجة إلى فهم وجهات نظرالمُرشحيْن الرِئاسيْين المتنافِسيْن, بشأن هذه «البيئة الدولية من التعقيد السياسي وعدم اليقين العسكري». ولا يوجد أية دولة ـ يستطرِد ـ لديها موارد غير محدودة، حتى الولايات المتحدة التي تُواجه عجزاً تراكمياً يزيد عن (35 «تريليون» دولار)، لا يمكنها الاستمرار في الإنفاق «غير المُقيّد» على أولويات السياسة الداخلية والخارجية.
أين من هنا؟
بعد كل ما سبق والذي يمكن إعتباره «تمهيداً» من المسؤول الأميركي السابق, في وزارة الدفاع الأميركية/ البنتاغون, شرعَ كورب بالإجابة على السؤال الذي كان أيضا عنوان مقالته في العدد الأخير من المجلة الأميركية «ناشيونال إنترستٍ» على النحو التالي: هذا يستدعي عدداً من الأسئلة: ما هو التوجّه الجيوسياسي؟, أو الاستراتيجية الكبرى المُفضلة لأميركا في المستقبل؟. وما هي الالتزامات والتعهدات العسكرية المُستمدة من هذه الاستراتيجية الكبرى؟. وما هي «الافتراضات» التي يجب أن تدفع الاستعداد العسكري لردع الحروب، وإذا لزم الأمر، لمحاربتها؟.
وبصورة عامة ــ يواصِل كورب، تشمل الخيارات المتاحة للاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة «الهيمنة الليبرالية» أو «التوازن الخارجي» أو «العولمة غير المحدودة» أو «المشاركة والتوسّع الإنتقائي». وقد تم"استبعاد الانعزالية» كخيار, لأن ذلك ـ يلفِت كورب الإنتباه ـ «لن يكون مُمكناً في عالم اليوم", الذي يتّسِم بالترابط المُعقد والتشبّع الإعلامي، حتى لو اعتبره البعض مرغوباً فيه.
لقد اتخذت الولايات المتحدة ــ تابعَ كورب ــ استراتيجية «الهيمنة الليبرالية» في تسعينيات القرن العشرين, بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. وكان المتفائلون بشأن عالم ما بعدَ الاتحاد السوفياتي, يفترضون «نهاية التاريخ وانتصار الديمقراطية الليبرالية الدائم». وكانت الولايات المتحدة قوة عظمى عالمية فريدة ليس لها منافس عسكري جاد. ومع ذلك ــ إستطردَ كورب ــ قلّل الرئيس كلينتون من «التركيز الوطني على الأمن والدفاع»، بما في ذلك الاستخبارات، والتي عادت لتطاردنا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/2001. ومع ذلك ـ ختمَ ــ غزَتْ الولايات المتحدة أفغانستان لإسقاط طالبان في عام2001, وأسقطت نظام صدام حسين في العراق عام 2003. وأعلنت «الحرب العالمية» على الإرهاب، وتحوّل الصراعان إلى «حربيْن أبديتيْن» استمرتا حتى العقد الثاني من القرن الحالي.
ماذا بعد إستراتيجية «الهيمنة الليبرالية» التي إنتهجتها واشنطن, في تسعينات القرن الماضي؟.
نُكمِلُ غداً.