فيما تُهيمن مسألة الرد الإيراني على العَربدة الصهيونية منفلة العقال في المنطقة, وفيما تتواصل حرب الإبادة والتجويع والتدمير الصهيوأميركية على قطاع غزة, وسط صمت غربي وخصوصاً أوروبي, برزتْ في الأثناء أو قل تكشّفت, مُعطيات جديدة عكستْ من بين أمور أخرى, حجم الدور الخبيث الذي تلعبه الولايات المتحدة (التي تتقمَّص دور «الوسيط» من أسف؟؟), لعل في مقدمتها ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أول أمس/ الإثنين، عن وجود (مُسودة مُوافقة أميركية, تتيح لدولة العدو الصهيوني «إستئناف القتال في قطاع غزة في حال عدم نضوج المرحلة الثانية من الصفقة المُقترحة"), مُضيفة/ يديعوت.. «إن الجلسة المَشحونة» بين نتنياهو وقادة المؤسسة الأمنية، التي عُقدت الأربعاء الماضي، أكّدتْ «عدم ثقة المسؤولين الأمنيّين بنتنياهو، فضلاً عن أنها شَهِدت في إطار النقاشات الحادة.. «تطرّقاً إلى المسوّدة المذكورة».. أما القناة/13 العبرية فقد أشارت في الوقت نفسه, إلى (شروط جديدة) يضعها مُجرم الحرب/نتنياهو، من بينها (إبعاد «جزء» من الأسرى الفلسطينيين, الذين يتم إطلاق سراحهم في إطار الصفقة إلى دول أجنبية).
وإذا كان رئيس الدبلوماسية الأميركية/بلينكن, الذي جال على المنطقة «ثماني» مرات, قد فشل في «ترجمة» تصريحاته, والأكاذيب التي بثّها بأن إدارة بايدن تعمل «ليل نهار» للتوصل الى وقف للنار, والمُضي قُدماً في تنفيذ الصفقة, خاصة بعدما أبدتْ حركة حماس «مُرونة» بتراجعها عن بعض المطالب والإشتراطات, فإن عودة بلينكن أمس لمطالبة الوسيط القطري بـ«الضغط» على حماس لقبول الصفقة, يؤكد أن إدارة بايدن قد غضّت الطرف أو على نحو أدق قد «تبنّت» حدود التماهي, موقف نتنياهو, الذي لا يُشارِكه موقفه المتشدد, المحمول على مراوغة, تروم مواصلة حرب الإبادة على القطاع الفلسطيني, حتى «تحقيق الإنتصار النهائي», إذ لا يُشاركه موقفه حتى رؤساء الأجهزة الأمنية, في الموساد والشاباك وجنرال الإحتياط الموُلج ملف الرهائن الصهاينة, إضافة بالطبع إلى قيادة جيش الفاشية الصهيونية, مُجرم الحرب/غالانت, ورئيس الأركان المُلطخة يداه بدماء الشعب الفلسطيني/مُجرم الحرب هليفي.
لافت أيضاً ما واصلتً «يديعوت أحرونوت» الإضاءة عليه من تفاصيل وحيثيات, تشير إلى «موافقة» أميركية على «شرط» نتنياهو, تسليمه رسالة التزام الأميركي «مكتوبة», بشأن إمكانية «إستئناف القتال», وانها ـ وفق الصحيفة ــ أُثيرت قبيل لقاء بايدن ونتنياهو في واشنطن، وتتعلق بشكل أساسي بـ(إعطاء ضمانة لإسرائيل, بأنها «غير مُلزمة بوقف إطلاق النار إلى الأبد, تحت أي ظرف من الظروف). كذلك أوضحَ نتنياهو للمشاركين في اجتماعه مع قادة المؤسسة الأمنية أن هذه «هي الرسالة التي يُريد تقديمها إلى الجمهور الإسرائيلي». وكانت المفاجأة ــ على حدّ تعبير الصحيفة ــ أن أحد الحضور كان على عِلمٍ بما يتحدث عنه نتنياهو، وقال له: إن الولايات المتحدة «سبقَ أن وافقت على تسليم إسرائيل مثل هذا الالتزام، بصيغة مُعيّنة أو بأخرى»، وأن ثمة مُسودة «جاهزة». وعليه، كانت رسالة المسؤول لنتنياهو, أن عليه البحث «عن ذريعة أخرى إن كان يريد مُواصلة إرجاء وعرقلة الصفقة، وعدم ربط ذلك بالرسالة الأميركية».
فهل ثمة ما هو أوضح من تلك الأدلّة والمعطيات, خاصة في ضوء المجازر الصهيونية اليومية, في مختلف مُدن وبلدات وخصوصاً مخيمات وباقي مناطق القطاع المنكوب, ناهيك عن تواصل حصار القطاع وإغلاق معابره كافة. ناهيك عن إنتشار الأمراض والأوبئة المُعدية, وخروج معظم مشافيها عن الخدمة, وإفتقار الباقي لأبسط مواد الإسعاف الأولي حتى؟. كذلك غياب أي صوت دولي.. حُقوقي أو إنساني أو صِحي ضاغط, أو داعٍ إلى فرض عقوبات على هذه الدولة الإستعمارية المارقة, التي تُوفر لها إدارة بايدن (الآفلة), مظلة حماية مُتعددة الأوجه والمصادر والتسليح والدعاية الكاذبة والمُضللة, وترى في الدفاع عنها وتبرير جرائمها, إلتزام «لا يتزعّزع", على ما أتحفتنا بتصريحها يوم أمس, نائبة بايدن المرشحة «الرسمية» عن الحزب الديموقراطي/ كامالا هاريس؟.
تختم «يديعوت أحرونوت» ما كشفتْ عنه على النحو التالي: قالَ المُشاركون في الجلسة لنتنياهو: «إننا نرى في صفقة المُختطفين الآن.. فرصة، فيما تراها أنتَ مثابة تهديد. صفقة المختطفين - أضافَ المشاركون - ليست مُجرّد مسألة إنسانية من الدرجة الأولى. في نظر كل مسؤول مِهني - تابعوا - فإن الصفقة هي المفتاح الذي يمكن أن يفتح (القفلَ الإقليمي)، ويدفعنا جميعاً إلى الأمام». فيما كان ردّ نتنياهو بالتذمّر مِن أنهم «بدلاً مِن مُمارسة ضغوط كبيرة على حركة حماس، فإنهم يَخرجون للإعلام ضده».
** استدراك:
كتب تسفي برئيل مقالة في صحيفة «هآرتس» الصهيونية أول أمس/الإثنين, مقالة تحت عنوان:» في «معادلة الإهانة».. هل تُصبح غزة ساحة هامشية أمام الحرب الكبرى؟, جاء فيها: إن اغتيال إسماعيل هنية حرّك عدة انفجارات تلقائية, لم يعُد بالإمكان السيطرة عليها ومراقبتها. للوهلة الأولى، هي لم تعد مُتعلقة بالاتفاق مع السنوار حول إطلاق سراح المخطوفين، (الذي يبدو أنه لم يَعُد موجوداً إذا حكمنا على الأمور, حسب الاقتباسات التي نُشِرت في «كان/11» و«أخبار/12» من لقاء بين نتنياهو ورؤساء جهاز الأمن والاستخبارات). غزة والمخطوفين فيها ـ أضافَ برئيل ــ أصبحوا قضية ثانوية، إذا لم تكن هامشية، وضرراً عرَضياً للحرب «الكبرى» التي تبدو في نقطة غليان.