اختلفنا أو اتفقنا في إقامة مهرجان جرش أو مقاطعته، موغلٌ في الألم، أن يغيب الوعي عن فكرة محاربة ثقافة إسرائيل الإلغائية للآخر من خلال نشر ثقافتنا وثقافات الآخر، موغلٌ في الألم أيضاً، أن يغيب عن الوعي كَمَّ ما تولِّده مآسي الحروب من دمار وقتل وجوع، من رهافة حسّ يشعر الإنسان معها أنّ قلبه ممتلئ بالحب ورغبة في الحياة والقيام من جديد .. إنها -يا رعاك الله - الثنائية الأزلية نفسها ( الموت والقيامة)، التي تثبت بأنك إنسان حيّ.
أعزائي، أنا لست بصدد الدفاع عن ادارة المهرجان ولا الحكومة ولا من جماعة التطبيل ولا التهويل ولا حتى الآمرين بالمعروف ولا الناهين عن "البرجر" - وعلى ذكر البرجر والمقاطعة التي وصلت حد مهرجان الوطن - بعضكم اشتعل غيظاً من فعاليات المهرجان ! أما عن الواقع فتعال …هناك من يظن أن القوة هي فقط بالسلاح وأن المقاومة هي فقط في الحرب والاعتصامات قيل لهم طيب - رغم أن فكرة مقاطعة مهرجان جرش هي سجالات معتادة وعقيمة- ورغم ذلك ، احتوت ادارة المهرجان تلك السجالات بحضارة، وأدارتها باحترافية ولم تتعامل معها من منطلق التسفيه، فأغلقت المسرح الجنوبي في سابقه تاريخيّة، وحاولت ايصال الفكرة بعمق لكل من تبنى فكرة المقاطعة من خلال كل الوسائل الإعلامية والمتاحة، لأنها تعاملت مع كل من تبنى فكرة المقاطعة انه تحت عباءة حرية التعبير ، ولكنني أقول بانها حرية ثملة حتى النخاع تلك الحرية التي تأبى أن تنظر للأمور بعمق أن تنظر بعين الحق ثم تنظر ماذا ترى … ترى السذاجة في باطنها.. فمهرجان جرش بعث عدة رسائل سامية من ضمنها رسالة لأطفالنا وأطفال غزة وأطفال العالم الذين هم بناة الغد وهي أن الحرب والموت والدم والدمار ليس نشاطاً يومي أو واقع يجب التأقلم معه ، إنما هناك فرح وحب وسلام وثقافة ووعي ، تماما كما انتصر الحب في زمن الحرب في غزة عندما تزوج عروسان فلسطينيان في مدرسة الأونروا شرق المغازي، بعث رسالة مقاومة الفكر الإسرائيلي الذي سعى لإلغاء ثقافة الآخر وقامت ادارة المهرجان على العكس من رغبة الاسرائيلي بنشر تلك الثقافات ونشر الفرح ولم تقل له هيت لك.
كان مهيباً، عندما طل مدير المهرجان ووزيرة الثقافة بتصريحاتهم من جهه، ومن جهة أخرى بإدارة المهرجان وانجاح فعالياته وكأنهم زائرين بـ فوتيك عسكري يستفزون بانجازهم جنود مشاعرنا ، ويفرضون علينا احترامهم لأنهم كانوا العين التي ترى ، تلك العين التي تقاوم أكثر من مخرز، ان أقصى قوة تملكها العين أمام المخرز هي التحديق فتزداد بصيرتها وتعري المخرز من كل الوان الخديعة والظلم، فيما أقصى قوة يملكها المخرز هي أن يفقئ تلك العين ويعميها عن الحق ، العين التي تقاوم المخرز يا رعاك الله هي شكل من أشكال المقاومة مهما كان نوع الحرب أو القضية، هنيئاً لإدارة المهرجان نجاحه وهنيئاً لكل من يرفع راية المنطق والجمال ويقاوم بأدواته وثقافته.
أدَّعي الأمل، أن تنزاح غمة الحروب والدمار عن كل العالم قريباً، وأدَّعي أن نخرج دائماً إلى الحياة ونحن لسنا على قيد الموت قائلين .. حيّ على السلام.