رغم وضوح الموقف الرسمي الأردني وثباته، وتكرار تأكيده على رفض ما يتم طرحه بين الفينة والأخرى من مشاريع مشبوهة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ومنها ما يتعلق بطرح فكرة مشروع كونفدرالية اردنية – فلسطينية، لا ينفك البعض عن استفزاز الشارعين الأردني والفلسطيني على حد السواء في محاولة طرح ما لا يمكن تنفيذه او قبوله.
مثل هذه الدعوات وإعادة طرح هكذا مفهوم والذي يأتي في توقيت مشبوه، حيث انها تسبق الانتخابات الرئاسية الامريكية المرتقبة، والتي قد تعيد ترامب وهو عراب ما يسمى " صفقة القرن" التي تستهدف انهاء القضية الفلسطينية ودفن الحقوق الفلسطينية بعد سنوات طويلة من التضحيات المتوارثة جيلا عن جيل.
وفي كل مرة يتم محاولة احياء فكرة هذا المشروع، تعيد الدولة الأردنية وعلى لسان كبار مسؤوليها التأكيد الحاسم والرفض القاطع لتمرير هكذا مشاريع تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وحقوق أهلها التاريخية المشروعة، لا بل تعتبر هذه الدعوات طعنة للمشروع الوطني الفلسطيني الذي قدم التضحيات والتي لم تتوقف حتى اللحظة لأجل فلسطين وعروبتها. حيث ان مفهوم الكونفدرالية يواجه مقاومة شديدة لدى الفلسطينيين الذين يعتبرون أن هذا الحل يتجاهل تطلعاتهم الوطنية في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة.
فكرة الكونفدرالية التي كلما طرحت هنا او هناك، يتم لعنها فورا وبلا تردد من الدولة الأردنية وحتى جلالة الملك في أحد المواقف وبحضور جنرالات متقاعدين من الجيش الاردني أجاب بسخرية "كونفدرالية مع مين؟"، ولعل أخطر ما في فكرة الكونفدرالية هي توريط الأردن رسميا في صراع هوياتي لن ينتهي مع اشقائنا الفلسطينيين، وهو صراع سيدفع الأردن ثمنه غاليا (لا قدر الله) من امنه واستقراره وسيادته.
ليس هذا فحسب، فالواقع القائم لا يتفق مع وجود احتلال في الضفة الغربية، وهذا الوضع يفرض قيوداً كبيرة على أي مخطط مفترض من هذا النوع. فالترتيبات الأمنية المطلوبة لضمان الاستقرار في إطار كونفدرالي ستكون شديدة التعقيد، وسيحتاج هذا إلى انسحاب "كامل" لإسرائيل من الأراضي المحتلة، وهو ما يبدو مستحيل في الأفق القريب نظراً للسياسات الإسرائيلية الحالية المتطرفة.
من المخجل والمعيب ان يتخلى المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته الدولية والتزاماته في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فهذا اقل ما يمكن تقديمه بعد سنوات من الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني الطويل، والذي لا يجب ان يذهب عبثا عبر تحميل الأردن الأخ والعضيد والشقيق وتوأم الروح لفلسطين عبر ضغوطات وصفقات تحاول جعل الأردن وطن بديلا للفلسطينيين.
باختصار، ما يطرح هو أكثر تعقيداً من مجرد تقديم فكرة الكونفدرالية. الحلول المستدامة تتطلب التعامل مع الواقع السياسي والأمني المعقد، التحديات الداخلية هناك، التجاذبات الدولية، والاتفاقيات الدولية. بدلاً من التمسك بمفاهيم قد تبدو غير قابلة للتنفيذ، قد يكون من الأجدر البحث عن حلول أكثر واقعية وموجهة نحو الالتزام بالقرارات الدولية واقامة الدولة الفلسطينية وتوجيه التعاون الدولي والإقليمي لدعم حقوق الفلسطينيين التاريخية والمشروعة، والحفاظ على الاردن ليبقى دوما رئة وقلب لفلسطين وليس بديلا عن فلسطين.