مفاجأة مُدوية أخرى "يُطلقها" الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان, في فضاء المنطقة المثقلة بالأزمات والمفتوحة على احتمالات كارثية, تُضاف الى حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير, التي يواصلها منذ عشرة أشهر تحالف الشر الصهيوأميركي, ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المُحاصر والمنكوب.
وإذ شكّل إعلان الرئيس التركي عن رغبته تطبيع علاقات بلاده مع سوريا, بعد قطيعة "دموية" تواصلت منذ العام 2011, بانحياز أنقرة الى المتمردين ومجاميع الإرهابيين الذين احتضنتهم, مُعلنة على رؤوس الأشهاد, سعيها لإسقاط النظام وقيامها بأربعة اجتياحات واحتلال لمدن وأرياف سورية, حداً وصلَ بإردوغان القول بتفاخر وثقة, أنه سيصلي في الجامع الأموي بعد إسقاط النظام, فإن الخطاب الذي ألقاه أول أمس/الأحد, في مسقط رأسه بمدينة "ريزة", وإعلانه أنه يجب أن نكون أقوياء للغاية "حتى لا تتمكن إسرائيل من فعل هذه الأشياء بفلسطين. مُضيفاً: مثلما "دخلنا كاراباخ وليبيا، قد نفعل الشيء نفسه هنا". لافتاً الى أنه "لا يوجد شيء لا يُمكننا القيام به. يجب أن نكون أقوياء للغاية". يُشكّل/الخطاب "قفزة" وليس فقط مجرّد خطوة أخرى, كون الحديث عن "تدخّل" عسكري من دولة "مهمة" في حلف شمال الأطلسي, ضد دولة تتمتع بمكانة خاصة جداً في حلف الناتو, وتسبق في مكانتها لدى الحلف أي دولة حليفة او صديقة للناتو في العالم.
من هنا وبصرف النظر عن رد فعل حكومة العدو الصهيوني, ومسارعة وزير خارجية نتنياهو, العنصري الفاشي والأكثر وقاحة وغطرسة/ يسرائيل كاتس, دعوته إردوغان إلى "تذكّر" المصير الذي انتهى إليه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, ناهيك عن رد فعل زعيم المعارضة في كنيست العدو/ يائير لبيد, الذي قال: ان إردوغان "يُشكّل خطراً على الشرق الأوسط. ويجب على العالم -وبخاصة أعضاء الناتو- أن يُدينوا بشدة تهديداته الشنيعة ضد إسرائيل، وإجباره على وقف دعمه لحماس. مُتابعاً القول: "لن نوافق على تهديدات الطامح للدكتاتورية".
نقول: فإن تلويح إردوغان بالتدخل العسكري لدعم الفسلطينيين كما قال, يبدو غير جدي وغير قابل للتنفيذ أيضا, ليس فقط لأنه ربط ذلك التدخل بقوله حرفياً: (فقط علينا أن نكون أقوياء حتى نُقدِم على هذه الخطوات). مُشدداً على وجوب تعزيز بلاده قوتها، "من أجل ردع إسرائيل عن ممارساتها ضد الفلسطينيين". بل خصوصا لأن أقوال الرئيس التركي كانت موجهة في ما يبدو الى واشنطن, وتحديدا لإدارة بايدن, كون الأخيرة لم تفِ بالوعود التي بذلتها لإردوغان عندما "قايضته" بإنجاز صفقة طائرات الـ"F- 16" (صفقة دفعت ثمنها أنقرة منذ سنوات), كذلك تحديث طائرات سلاحه الجوي, "مُقابل" التخلّي عن معارضته انضمام السويد الى حلف الناتو, فكان لواشنطن ما أرادت, لكن إردوغان لم يحصد سوى الريح.
صحيح ان علاقات أنقرة بتل أبيب دخلت مرحلة من التوتر المتدحرج, بعد أشهر من بدء حرب الإبادة الجماعية الصهيوأميركية على القطاع الفلسطيني, بدأتها انقرة بسحب سفيرها من دولة العدو في الشهر ذاته, إلا انه صحيح أيضا ان الصادرات التركية الى الكيان العنصري تواصلت بالوتيرة ذاتها التي كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/ 2023, إذ كانت وصلت في العام 2022 (وفق إحصائيات رسمية) الى ما يزيد عل تسعة مليار ونصف المليار من الدولارات, ناهيك عن عدد السياح الصهاينة الى تركيا, الذين قاربوا المليون سائح في العام ذاته.
وقد تراجعتْ الصادرات التركية الى تل أبيب بعض الشيء, الى ان توقفت نهائيا, جراء استمرار آلة القتل الصهيونية في إبادة اهالي القطاع, وإن كانت تقارير عديدة تحدثت عن ان معظم تلك الصادرات/التركية ما تزال تتدفق على دولة العدو, يرشح ان أنقرة تصرف نظرها عن ذلك. رغم ان الأخيرة كانت ربطت عودة صادراتها, الى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر, حال توقفت حرب الفاشية الصهيونية على قطاع غزة.
إندلاع "حرب" التصريحات والشتائم المتبادلة بين تركيا والكيان الصهيوني, تندرج في إطار لعبة النفوذ الدائرة بصخب وأحيانا خلف الكواليس بين معظم دول المنطقة بتنسيق مع عواصم كبرى, خاصة بعد تأكد معظم "الللاعبين" الإقليميين .. صغيرهم والكبير, ان نفوذ الولايات المتحدة قد دخل مرحلة الأفول, وأن المسرح الشرق اوسطي لم يعد متاحا لها وحدها, رغم كل الضجيج والمحاولات اليائسة التي تبذلها إدارة بايدن (الآفلة.. كما يجب التنويه) وما تسعى الى تفجيره من أزمات وحروب في منطقتنا والمحيط. لذلك كله يمكن القول ان تدخلا عسكريا تركيا لصالح الفلسطينيين لن يحدث, أما الزوبعة الإعلامية التي ثُثيرها الأوساط الصهيونية, داخل الكيان الإستعماري الإستيطاني وخارجه, حول تهديدات إردوغان, لا قيمة لها او أهمية تذكر في هذا الإطار.