اخر مرة جلست مع كنيعان البلوي مستشار شؤون العشائر, تحدث لي عن (عمر برادلي).. تحدث لي عن سبب تسمية هذا الجنرال الأمريكي العظيم باسم عربي, وكيف أن والدته زارت القدس وهي حامل به ..وكيف قرأت الوثيقة العمرية وأعجبت بشخصية عمر بن الخطاب , وأطلقت عليه اسم عمر تيمنا بالفاروق ..ثم أسهب بالحديث عن اختراق النورماندي من قبل الجنرال (برادلي) ...وكيف قاد الجيوش الأمريكية في الحرب العالمية الثانية , وكيف أعاد بناء قوات المشاة الأمريكية .

اعتقدت أن هذه المعلومات موجودة في الكتب , ولكن كنيعان باشا أخبرني بأنه كان يلتقي بعمر برادلي شخصيا حين كان يتلقى دورة في الولايات المتحدة عام (1979) ..وأخبرني عن حبه الشديد للراحل الحسين , وعن الكرسي الخاص به والذي كان يجلس عليه في نادي المحاربين القدامى ...

في ذات اليوم الذي غادرت به من عند كنيعان باشا , حضرت وليمة غداء على شرف مسؤول أردني سابق ..تخرج من الولايات المتحدة , وجلسنا نتبادل أطراف الحديث ..أخبرنا عن حياته في الولايات المتحدة , وعن عشق الأمريكان للحم البقري وكرههم للحم الضأن ...أيضا تحدث لنا عن صفقة شراء سيارة (فورد) من رجل مكسيكي (ببلاش) ..وكنا نستمع لحديثه , وأخبرنا أيضا عن أثمان الملابس في تكساس , وكيف أن أهل تكساس هم (بدو) أمريكا ..كان حديث الرجل أشبه (بالطشي)

حين جلست مع كنيعان...إسم (كنيعان) ذاته يوحي بأنه مغرق في البداوة , وكنت أعتقد أن هذه المؤسسة تعنى بالجلوة والعطوات ...وتنصيب الشيوخ وما إلى ذلك , ولكن حين أخبرني بأنه تقدم شخصيا للجنرال برادلي وعرفه بنفسه وطلب منه الجلوس معه ..وصار يتبادل معه الحديث كلما ذهب لنادي المحاربين القدامي ..ذهلت , وهو للعلم لم يتحدث عن شخص بقدر ما أسهب في شرح تاريخ الحرب العالمية الثانية ...في سر إعجاب والدة هذا الجنرال بشخصية عمر بن الخطاب , في تكتيكات اتبعها هذا الرجل غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية ....

كنا في لحظة من حياتنا نعتقد أن الليبراليين و(الديجتل) , ومجتمع الشركات ...هم حقيقة يجب أن تقدم في المجتمع وأنهم ضرورة مهمة لمسار الدولة , وعلينا أن نخفف الهجوم عنهم ..كنا نعتقد أيضا أننا يجب أن نخرج في لحظة من عباءة العشيرة , ويجب أن نطور الموروث ويجب أن نسير في ركب الحداثة ..ولكن في مساء ذات اليوم صرت أفكر بحديث كنيعان الذي يصنف بأنه من القوى العشائرية التقليدية وبين حديث المسؤول السابق والذي يصنف بأنه من قادة التيار الليبرالي ...صرت أفكر في حديث رجل يعرف الجنرال عمر برادلي شخصيا ..ويستطيع أن يسرد لك تاريخ أمريكا والتغيرات التي حدثت فيها بعد الحرب العالمية الثانية ...وبين رجل أعطانا معلومة غاية في الخطورة وهي أن الأمريكان يحبون اللحم البقري أكثر من الضأن ...

كم نحتاج لمن هم مثل كنيعان ...