كلمة (حيونة) بعيد عنكم والمنشورة اعلاه كعنوان لمقالي هي ليست لي, وقلمي المسكين لا علاقة له بها البته!! والكلمة المذكورة وهي بالمناسبة شتيمة من العيار المتوسط اطلقها الخبير الامني والاستخباراتي الاسرائيلي ( يوسي ميلمان) في وصف المسؤولين الاسرائيليين من سياسيين وعسكريين بدءا من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وَجُرّ...ومرورا بمساطيل اليمين المتطرف من رتبة وزير فما دون.. ومرورا ايضا بالعسكر وخاصة ( بتوع الحفاظات) وانتهاء باخر ازعر في المستعمرات الصهيونية الجاثمة على قلب الارض العربية الفلسطينية!!
فقد نزل الخبير الامني الاسرائيلي , ميلمان, في ساحة هؤلاء جميعا ومسح بهم الارض من خلال تصريح مطول ادلى به لصحيفة ( هاأرتس) الإسرائيلية وموقع ( واللاّ) العبري منذ ايام.. ولعل من المفيد لا بل الضروري ان اقتبس بضعة سطور مما قاله المسؤول الاسرائيلي عن ابناء جلدته الإسرائيليين والاوصاف المقذعة التي اطلقها عليهم.. فقد قال ما ترجمته وبالحرف الواحد ما يلي: ( ان علميات الحيونة , نعم الحيونة وقتل الاطفال وعمليات الاغتيال التي تنتهجها اسرائيل ورغبتها الشديدة في الانتقام هي طبيعية ومفهومة ضمنا.. فا اسرائيل تعشق عمليات التصفية التي تشمل كل شيء.. ان جهاز الامن والجيش الاسرائيلي ووسائل الاعلام واجزاء واسعة من الجمهور الاسرائيلي يتفاخرون بقتل الفلسطينيين وتصفية الأطفال والنساء ويتمسكون بهذه الممارسات مثل القشة للغريق وكانها ستحل مشاكل اسرائيل). انتهى الاقتباس
ومن قبيل حب الاستطلاع والاستزادة فقد رحت استكشف في ثنايا مخزون الذاكرة وتلافيف قواميس الكون عن مترادفات لكلمة ( حيونة) فعثرت على صنوف عديدة من هذه البضاعة والتي غدت ماركة اسرائيلية مسجلة وباعتراف مسؤول اسرائيلي مطلع على خبايا الامور.. واذكر من تلك المترادفات ما يلي: ( بلطجة..غطرسة..تيسنة..صهينة..نمردة..تنمر..عربدة..واعتداء..وما شابه)
ولعلي لا اجانب الصواب لو قلت بان شهادة الخبير الاسرائيلي ( ميلمان) الصادقة بحق ابناء جلدته الصهاينة ووصفه اياهم بالحيونة جاءت لتؤكد المقولة السائدة
( وشهد شاهد من اهله).. وتؤكد ايضا المقولة الثانية التي تقول( من فمك ادين ربعك الاشرار يا ميلمان).. وهذه الشهادة تشكل ايضا ردا مفحما على المسؤولين الصهاينة وبخاصة مساطيل اليمين المتطرف الذين وصفوا الفلسطينيين والعرب بانهم حيوانات غير ادمية.. وكأن لسان حال شهادة ( ميلمان) يقول : بضاعتكم ردت اليكم ايها الاشرار الصهاينة.. فانتم الحيوانات وليس الفلسطينيين. ومرةً اخرى اقول ( وشهد شاهد من اهله)!!
ولا اكتمكم بان وصف الخبير الامني الاسرائيلي لأبناء جلدته الإسرائيليين بالحيونة وتوابعها من غطرسة وبلطجة وعدوان.. هذا الوصف الصادق والدقيق قد استدرجني لأتحدث عن واقعة تحمل ذات المضمون وهو الحيونة والتيسنة, بعيد عنكم, وهذه الواقعة المزعجة ما تزال ذاكرة الطفل جواّي تختزنها وتعيد انتاجها البشع مع طالع شمس كل يوم منذ العدوان النازي الصهيوني على غزة العزة وحصارها وتجويعها وذبح اطفالها ونسائها وشيوخها على مرأى من العالم "المتحضر" جدا!! وهاكم الحكاية.
كنت انا واترابي الاطفال من ابناء العمومة نتوق شوقا لمجيء عطلة الربيع المدرسية لكي نلتقي مع اهلنا الكادحين والقاطنين في بيوت منسوجة من شعر الماعز ومبنية على اعمدة خشبية في الصحراء بالقرب من سكة الحديد ونساعد اهلنا ونشاطرهم المعاناة وهم يتنقلون من مكان لأخر طلبا للكلأ والماء لمواشيهم واغنامهم. فما ان تطل العطلة الربيعية براسها حتى نأخذ نحن الاطفال أغراضنا وزوادتنا ونسير مشيا على الاقدام مسافات طويلة من قرى ( الطراونة) المتكئة على كتف جبال (مؤاب) حتى نصل وقد انهكنا التعب وذبحنا العطش الى مضارب الاهل بجانب سكة الحديد الممدودة بتثاقل على ارض الصحراء الاردنية.. وكنا نرتاح لمرأى الصحراء وسمائها الصافية وناسها الطيبين ونعتبرها عباءتنا الضافية!!
حاصله.. حال وصولنا الى مضارب الاهل نجد في انتظارنا قائمة طويلة من الاوامر الشفوية الصارمة وتتضمن المهام الموكولة لنا نحن الاطفال وفي مقدمتها الاهتمام بالخراف الصغيرة وسقايتها من غدير الماء, وايصال " الديلفري" عبر الصحراء الى راعي الغنم ويتضمن خمسة ارغفة من القطع المتوسط وبضع حبات من التمر ومطرة ماء جيشية اي عسكرية مغطاة بقماش سميك لونه اخضر لحفظ الماء باردا قدر الامكان.. وكنا نشعر بسعادة بالغة ونحن نتراكض مع الخراف الصغيرة او نستمع نحن والخراف وثالثنا الصحراء الى صوت الناي الحزين ( الشبابة) حين يهمس الراعي في اذنها وترد هي على البوح الشفيف بمثله وتبكي!
وكانت الشبابة الحديدية الضخمة بمثابة السلوى والسلاح معًا لراعي الاغنام.. ولها سبعة ثقوب واسعة يقوم الراعي بالبوح لها من خلال هذه الثقوب السبعة بواسطة اصابعه العشرة بأحكام دقيق يصيب الهدف بدقة.. يا الهي!!.. ما هذه المصادفة والتوارد الذي جلب الى الذهن سيرة ارقام احبها كثيراً؟!.. وعلى سيرة هذه الاراقم الموقرة فانه لا ضير لدي البته من ان تسقطوا ما شئتم من اسقاطات نضالية وصور بطولة وشجاعة فلسطينية ترفع الراس عاليا وجرى توثيقها بالصوت والصورة من خلال مخرجات هذه الأرقام المعتبرة!! فالرقم ( سبعة) وهو يوم ميلاد فجر طوفان الاقصى ليكون بشارة للفجر الفلسطيني وبشائر للتحرير الفلسطيني الطالع من رحم القهر والدم والصبر والكفاح.. ورقم ( عشرة) وهو شهر الاختراق العظيم والعبور المشهود الذي تمكنت المقاومة الفلسطينية من خلاله الاخذ بالثأر للأقصى ولفلسطين ولكرامة الامة.. وكشفت المقاومة الفلسطينية عورة الاسطوانة الصهيونية المشروخة التي دوختنا بها اسرائيل عبر نيف وسبعين عاما ومفادها ان جيشها لن يقهر!! وتبين بعد بزوغ فجر الاقصى وعبوره العظيم ان جيش العدو الصهيوني لم يأخذ سوى غلوة واحدة امام المقاومة الفلسطينية الباسلة حيث تهاوى بعدها مثل خيال المقاثي او اقل شأنا!!
واعود لأقول كنا نحن معشر الاطفال سعداء كسعادة اطفال غزة قبل العدوان النازي الصهيوني البغيض.. وكانت مظاهر الفرح تغمرنا جميعا, اطفالا.. وخرافا.. وصحراء فضفاضة.. وصمتا صحراويا ابلغ من صوت الكلام!! ولم يكدر صفونا ويذبح المنسوب العالي لسعادتنا الطفولية سوى ذلك التيس - بعيد عنكم- والذي يستمتع بتياسته وحيونته فيقوم بالتنمر علينا وعلى كل من يصادفه من بشر وحجر وحتى قضبان السكة الحديدية!!.. وقد كانت لهذا التيس طريقته الخاصة في الحيونة والنطح قبل الهجوم علينا.. اذ يرتد بضع خطوات الى الخلف.. ويجعر بصوت عال.. ثم يشرع بالشخير الحاد وضرب قدمه اليمنى بالأرض حتى يثير زوبعة من الغبار.. وبعدها يسدد حقده وقرنيه الطويلين والمدببين نحونا.. ولك ان تتصور مدى الرعب الذي يدب في قلوبنا والخوف الذي يتملكنا ونحن نرى قرون التيس الهائج مسلطة نحو طفولة لا حول لها ولا قوة!! الم اقل لكم بانه تيس بعيد عنكم ويستمتع بتياسته؟
وكان ذلك التيس وبما يمثله من حيونة كتلك التي تحدث عنها الخبير الامني الاسرائيلي ( يوسي ميلمان) يشكل كابوسًا مرعبا لنا.. ويظل المشهد الرهيب قائما ونحن الاطفال نرتجف ونحمي بعضنا بعضا.. ونرتعد خوفا الى ان ياتي الراعي الشجاع مسلحا بشبابته الحديدية الضخمة ويهوي بها بقوة عدة مرات على ناصية التيس وبالتحديد بين قرنيه.. يتهاوى بعدها صريعا على الارض والزبد يتناثر من خياشيمه الجاحظة! عندها نتنفس نحن الصعداء ونصفق للراعي الذي انقذنا من بطش العدوان.
لقد فاتني ان اقول بان التيس -اجلكم الله- يقف الى جانبه بضعة (جديان), جمع جدي او (جداء) كما يقول القاموس.. وهذه الجديان هي بالمناسبة مشاريع تيوس وتذكرني بالمناسبة بزعران المستعمرات الصهيونية وهم يتحلقون حول زعيمهم الارهابي اليميني المتطرف ( بن غفير) ليدربهم جيدا على ممارسة العنصرية والحيونة وفصول الابادة الجماعية ضد اطفال غزة بشكل خاص واطفال فلسطين على وجه العموم!!
وعود الى موضوع ( الحيونة) والذي تحدث عنه الخبير الامني والاستخباراتي الاسرائيلي ( يوسي ميلمان) فان اسئلة محيرة كثيرة تطرح نفسها على المنطقة والعالم باسره في ظل العدوان النازي الصهيوني وخطورته البالغة. ولعل في مقدمة تلك الاسئلة المفترضة : لماذا لا يوقف الغرب الاستعماري غطرسة حليفته اسرائيل وعدوانيتها بدل ان يمدها بالسلاح القاتل والمال اللازم دون مقابل وقرون الاستشعار في مجالات عديدة وكل مستلزمات التمرد والغطرسة؟
لماذا تواصل اسرائيل عدوانها رغم انها منيت بهزيمة ساحقة وباعتراف مسؤوليها العسكريين والسياسيين على حد سواء والجواب معروف للقاصي والداني وهو ان اسرائيل ليست مضطرة لوقف العدوان وممارسة الابادة الجماعية للفلسطينيين مادامت امريكا و الدول الاوروبية يتسابقون من يرضي اسرائيل اكثر ويدفع اكثر من المال الوفير والسلاح القاتل والدعم الدبلوماسي والنفاق الهائل لألة القتل الصهيونية؟
ويحار كل عاقل على وجه المعمورة وهو يرى ان المعارك في هذا الكون تنتهي كلها بغالب ومغلوب الا غزة هي الاستثناء الوحيد بسبب كيل الغرب الاستعماري بمكيالين احدهما منافق ومماليء لإسرائيل والثاني حاقد وظالم لفلسطين!! ويحار المرء وهو يرى اسرائيل وبمساندة دول الغرب الاستعماري الرسمي وعلى رأسها امريكا وهم يباطحون منذ بضعة اشهر لفبركة تخريجة سياسية مفادها ان حماس لم تنتصر واسرائيل لم تنكسر!! رغم ان هزيمة اسرائيل العسكرية والاخلاقية والاعلامية بائنة بينونة كبرى وباعتراف المسؤولين الإسرائيليين انفسهم.. وهم بذلك كمن يحاول ادخال البعير عبر خرم الابرة! ونقول لهم: ما علينا.. حاولوا ما وسعكم الجهد لإنجاز ذلك وانا من طرفي اتبرع لكم بالإبرة ويبقى عليكم ايجاد البعير.. وبالمناسبة ابشركم بانه لا داعي للعجلة على الاقل من جانبنا.. فالمقاومة الفلسطينية قوية ومعافاة.. وفرسانها الابطال يضعون رجلًا على رجل ويحضرون رغيف خبزهم على الصاج وعلى مهل.. ويحلقون ذقونهم.. ويتعطرون لملاقاة وجه ربهم الكريم كما ان ابطال المقاومة الفلسطينية يتعازمون فيما بينهم على الدور لاصطياد دبابة الميركافا او النمر ومن بداخلهما من عساكر العدو ليرسلوهم فورا الى توابيتهم بالصوت والصورة بعد ان ينضجوهم على نار فلسطينية لاهبةّ!! نعم شباب غزة البواسل جاهزون.. وشباشب الشباب جاهزة ايضا لصفع من يستحق الصفع!!
وفي الختام اقول: طوبى لشهدائنا الابرار الذين سقوا بدمائهم الطاهرة ثرى فلسطين المقدس.. وذادوا بالصبر والصمود والكفاح عن حياض الارض وكرامة الامة.. وكأني بالشاعر العربي ( بدوي الجبل) يقصد هذه القامات الباسقة وهم يرتحلون الى جنات الخلد حين قال:
يعطي الشهيد فلا والله ما شهدت عيني كإحسانه في القوم احسانا
وغاية الجود ان يسقي الثرى دمه عند الكفاح ويلقى الله ظمأّنا
طوبى للحاضنة الشعبية الباسلة في غزة والضفة الغربية التي نسجت خيوط المجد الفلسطيني من حدقات العيون.. ودماء الابناء والاحفاد.. ومداد الصبر والجهاد.. ووهج الصمود والاستبسال.. طوبى لمن يتربعون في سويداء القلب ايقونة فلسطينية عربية ماجدة نحضنها برمش العين وننحني احتراما لها وتوقيرا لمقدارها ونردد مع شاعرنا العربي قوله:
احنو على جرحها الدامي وامسحه عطرا تطيب به الدنيا وايمانا
ازكى من الطيب ريحانًا وغالية ما سال من دمى قتلانا وجرحانا
طوبى لإبطال المقاومة الفلسطينية الاطهار.. طوبى لصانعي طوفان الاقصى الابرار .. طوبى لكم يا من ترابطون بكل قوة واقتدار على سواحل الشام وفلسطين زوادتكم الايمان بالله عز وجل والصبر والصلاة وسلاحكم القسام والغول وسجيل والشواظ .. طوبى لكم وانتم تترجمون وصية رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: ( عليكم بالجهاد.. وان افضل جهادكم الرباط.. وان افضل الرباط عسقلان) صدق رسول الله. وعسقلان بالمناسبة تشكل مع غزة مدينة واحدة منذ الفتح الاسلامي وحتى الغزو الصليبي.
طوبى لفرسان الطوفان وصانعي مجد فلسطين والامة.. طوبى للفدائيين الاطهار ابو عبيدة والضيف والسنوار وكافة المجاهدين والثوار في غزة العزة وفلسطين المجد.
طوبى.. طوبى.. طوبى.. والعاقبة للمتقين