يبدو أن المشهد الأميركي «المُستجِدّْ» يَشي بذلك, خاصة في ضوء ردود فعل المُعسكر الداعم داخل الحزب الديموقراطي لإستمرار بايدن في السباق الرئاسي, هذا الحزب الذي كانت صفوفه مُرتبكة ومُنقسمة حدود التبعّثر, قبل يوم واحد فقط من فشل محاولة اغتيال, المرشح الجمهوري/ الرئيس السابق ترمب (أول أمس/الأحد, السبت بالتوقيت الأميركي), على نحو بدا لكثيرين أن المسألة لم تعد ما إذا كان بايدن سيتنحّى, بل كم «عدد» النواب والشيوخ (من الحزب الديموقراطي) الذين «سيُجاهرون» بدعوته إلى التنحي, وكانت دائرة مُعارضي ترَشّحه في إزدياد ملحوظ. ما عكس من بين أمور أخرى ضعفاً مُتزايداً للرئيس المشكوك في أهليته «الإدراكية» لدى خصومه بل وبعض أنصاره.
وإذا كان بايدن قد سارعَ إلى «إغتنام» الفرصة, للظهور بمظهر رجل الدولة الذي «يُنحّي» جانباً الخلافات السياسية, عبر الإتصال بمنافسه الجمهوري للإطمئنان على صحته, والتنديد بمحاولة الإغتيال و"إدانة العنف", وإبداء الدعم والتعاطف الشخصي معه, «بل قيل» أنه قال لترمب: «أنه يُصلِّي من أجله وعائلته", (كذلك فعلت زوجته/جيل مع ميلانيا/ عقيلة ترمب), في الوقت ذاته الذي أصدر فيه تعليماته لجهاز الأمن السرّي, بإتخاذ إجراءات أشد صرامة لتوفير الحماية للرئيس السابق والمرشح الرئاسي/ ترمب, فإن التصريحات التي أدلى بها بعض حلفائه لوسائل إعلام أميركية يوم أمس, تؤشر إلى «تغيير» في المواقف, يمكن وصفه بأنه «دراماتيكي» حتى الآن.
إذ «اعترفَ بعض حلفاء الرئيس الأميركي, أن الجهود المبذولة لـ"إستبدال» جو بايدن كمرشح للحزب الديمقراطي لانتخابات 2024, «فقدتْ كل زخمِها» وانتهت بشكل أساسي بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق ترمب. علماً أن عدداً كبيراً من المُشرعين الديمقراطيين وكبار المانحين, كانوا قد دعوا بايدن إلى الانسحاب من السباق طوال الأسبوع الماضي وعطلة نهاية الأسبوع. إلاّ أن بعض هؤلاء/حلفاء بايدن قالوا يوم أمس: إن «محاولة اغتيال ترمب قد أفقدت مُنتقديه الأمل». فيما صرح أحد منتقدي الرئيس لشبكة (NBC NEWS) قائلاً:"أعتقد أن الأمر قد انتهى، لقد خسِرنا كل الزخم». مُضيفاً: «لقد كانوا يمرون بيوم سياسي سيئ للغاية، ثم شهدِنا الحدث الأكبر، والآن، أصبح كل شيء مُتجمِداً».
فهل يمكن لمناوئي بايدن داخل الحزب الديموقراطي «التسليم» بما يروّج له حلفاء بايدن, الذين لم يكتفوا بالزعم أن محاولة الإغتيال «أفقدتْ» مُنتقديه الأمل, بل أضافوا في ثقة «من المُرجح أن الجهود الرامية إلى إزاحة بايدن قد انتهت». مُتابعين القول: إن الرئيس الذي «أظهرَ أنه سيُقاتِل", لن يتنحّى طواعية «في هذه اللحظة». يُضاف إلى ذلك أن وسائل إعلام أميركية «سرّبت» خبراً مفاده أن حملة بايدن سارعت إلى «إلغاء خطط الإعلانات التي تهاجم ترمب في الوقت الحالي». وقيل للموظفين بضرورة «الامتناع عن إصدار أي تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الأماكن العامة».
إلا أن ذلك كله لا يعني أن بايدن بات يتوفر على هامش مناورة أوسع, في مواجهة خصومه أو مُنتقديه وحتى بعض حلفائه, الذين لم يتردّدوا–حتى قبل ساعات معدودات من محاولة إغتيال ترمب–في دعوته للتنحّي, بعد زلاّته الكارثية في قمة حلف شمال الأطلسي/ الناتو بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسه, التي إنتهت للتوّ في العاصمة الأميركية. ودعوته الرئيس الروسي بوتين لإلقاء كلمته, فيما المقصود كان الرئيس الأوكراني المُنتهية ولايته منذ 20 آيار الماضي زيلينسكي, ناهيك عن وصفهِ نائبته/ كامالا هاريس, بأنها نائبة منافسه الجمهوري ترمب.
في السطر الأخير... من المفيد «التذكير» بما كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية, أوردته في عددها الصادر يوم الخميس الماضي, إذ قالت: نقلاً عن ثلاثة مصادر مُطلعة، معلومات تفيد بأنّ بايدن وجدَ نفسه «معزولاً بشكل أكبر»، بعدما أصبحت مجموعة ضيقّة من مساعديه ومستشاريه القُدامى «مقتنعة» بأنّ عليه اتخاذ «قرار مُؤلم ولكن حتمي» بالتخلي عن حملته الانتخابية. وأضافت الصحيفة أنّه في الأيام الأخيرة، كانت المجموعة تحاول التوصّل إلى أساليب لإقناع بايدن بالتنحي عن الحملة، فيما ما من مؤشرات إلى أنّ بايدن على دراية بهذه المباحثات بعد. وتشمل تلك الأساليب «إثبات أنّ بايدن غير قادر على هزيمة ترمب»، وأنّ مُرشحاً آخر مثل نائبته/ كامالا هاريس، قادرعلى ذلك، إضافة إلى «طمأنة» الرئيس إلى أنّه في حال تنحيه، فإن عملية اختيار مرشح آخر ستكون مُنظمة، و"لن تتسبب بفوضى داخل الحزب الديموقراطي».
فهل استفاد أو سيستفيد بايدن, من فشل محاولة إغتيال منافسه الجمهوري/ترمب, أم أن مسألة «تنحّيه» باتت محسومة؟.
الإنتظار لن يطول لمعرفة الجواب.