أريد أن أقول للنساء في غزة أمرا مهما , حين تقوم واحدة منهن هنالك في مخيم برفح أو على أطراف خان يونس بقص شعر ابنها ...أقول لها لا تلقيه على الأرض , اجمعوا الشعر من رؤوس أطفالكم ...لأن زمنا سيأتي ويصبح فيه الشعر تميمة تعلق في صدور طلاب الحرية , وربما سيقيم بعض الأحرار في هذا العالم معرضا ...لمعنى الحياة , ولمعنى الإصرار ولمعنى الصمود في غزة من هذه الخصلات الناعمة .
حتى أظفار المواليد , لا ترموها على الأرض ..أنا أعرف أنها ستنبت وردا , وربما قذائف وطلقات ولكن اجمعوها , فهي ستنظم لذاك المعرض الكبير في غزة والذي سيقام بعد انتهاء الحرب , كي يعرف هذا العالم معنى أن تقاتل أظفار الأطفال ..ومعنى أن يقاتل المقص الصغير , ومعنى رجفة كف الأم وهي تقوم بقصها.
أطلب من النساء في غزة أيضا , أن لا تتخلص أبدا ..من (اللهايات) التي قضمها الأطفال بفعل الجوع وتمزقت , قوموا بجمعها فهذه (اللهايات) هي أهم من وسام الفارس النبيل وأهم من وسام الحرية , ولو كانت أمريكا تعي أصلا معنى الحرية لاستبدلت تمثال الحرية القابع في نيويورك ...بمجسم (لهاية) لطفل من غزة , أو بمجسم علبة حليب أحضرت كمساعدات ..من دول كانت كل خطاباتها عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة ... واختصرت في النهاية كل تلك الحقوق في علبة حليب .
أقول للنساء في غزة أيضا ...حتى (الصنادل) الصغيرة التي مشى فيها الأطفال على رمل غزة , وتقطعت أربطتها بفعل النزورح والرحيل والرمل ..لا ترموها , احتفظوا بها لأنها ذات يوم ستكون أعلى من قيم بعض الدول التي أدانت , وستكون أنظف من دساتير الدول التي سمحت لمرتزقتها بالذهاب إلى غزة , وستكون خالدة في التاريخ, في حين أن الجريمة ستبقى عارا يطارد كل من شارك بالمجزرة ..ربما هذه (الصنادل) ستنطق ذات يوم , وستصفع الحرية المزعومة , والديمقراطيات الكاذبة ..وكل دساتير حقوق الطفل والمرأة التي أنتجتها الأمم المتحدة .
أقول للنساء في غزة أيضا , (الكوفليات) التي تم لف المواليد الجدد فيها , أعرف أنها متسخة قليلا , وأعرف أن غسلها صار صعبا ...احتفظوا بها كما هي للأطفال الذين سيأتون بعد الحرب , لأنها مشبعة بغبار النزوح ..وبدموع الأمهات , مشبعة بعرق الطفل الذي ذاب من حر رفح , مشبعة بكل كبرياء الأرض وبكل المعاني السامية , وهي حتما ستكون في يوم من الأيام أعلى راية ترفع في سماء الأمة ..
أقول للنساء أيضا , احتفظوا برباط (الكوفلية) ..لأن هذا الرباط ربما ذات يوم سيلتف على عنق الجنون والغطرسة , على عنق كل يهودي تورط بالدم والسحل والذبح ..تورط بالجريمة .
لو يسمح لي أن أغوص في المقال أكثر لفردت بابا كاملا اسمه (باب الفوط) وأسهبت فيه ....لكن إلى هنا ويكفي .
إن الحروف لمن يجيد استعمالها , تقاتل وتقاتل وتقاتل ...حتى الحروف تحولت من العربية إلى (الغزاوية) ..