بعد تجاوز الـ 280 مئتان وثمانين يوماً على معارك الإبادة الجماعية والتجويع والترويع والتهجير التي تقوم بها الماكينة العسكرية التي تزعم أنها الأكثر أخلاقية بالعالم على المدنيين العزل والشيوخ والنساء والأطفال، وبعد كل ذلك أصبح لا مجال للشك بأن ما يظهر للعالم المتحضر المتمدن هو مجرد مزاعم وأكاذيب يطلقها هذا الجيش، وسياستها كاذبة أيضاً، وكل ما تزعمه غير محقة به وساقطة نتيجة سفك الدماء وتدمير البشر والحجر.
وعلى الصعيد السياسي، يظهر جلياً بأن رئيس وزراء هذا الكيان يحاول جاهداً من خلال حكومته اليمينية المتطرفة إطالة أمد هذه المعارك رغم ضغط المعارضة والشارع الإسرائيلي عليه، واستقالة منافسه غانتس من حكومة الحرب في 10 حزيران التي تشكل مجلسها المصغر منذ شهر أكتوبر، والتي حاول من خلال هذه الاستقالة إضعاف نتنياهو وحكومته والضغط عليه، إلا أن عملية إخلاء الرهائن الأربعة التي تمت بنفس يوم الاستقالة ساعدت رئيس الحكومة اليمينية في مواجهة المعارضة الداخلية والخارجية، وأعطته جرعة إيجابية للاستمرار بالعمليات العسكرية، ودافعاً لكي يعمل بكل جهد لتنفيذ أحد أهداف هذه العمليات العسكرية وهي إطلاق سراح الرهائن. إن الضغط الداخلي على نتنياهو قد يؤثر على الحكومة اليمينية، وينتج انتخابات مبكرة بحدود شهر أيلول المقبل، ولكن هذا يعتمد على قوة وضغط المعارضة الداخلية والشارع الإسرائيلي الذي يحاول جاهداً التوجه لانتخابات مبكرة لإنهاء حقبة نتنياهو التي يُعتقد بأنها ستشكل عقداً جديدة لإعادة انتخابه وعودته لسدة الحكم، خاصة في ظل تنامي حالة اليمين السياسي والاجتماعي في إسرائيل، حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على نتنياهو ولو كان هذا الظاهر بالغرف المغلقة التي تختلف بها الترتيبات عما يظهر للعلن، ولكن يحاول نتنياهو الاستمرار بالعمليات العسكرية ويطيل أمدها لما بعد الانتخابات الأمريكية، خاصة في ظل محاولة الإدارة الأمريكية الحالية الديمقراطية لإيجاد مخرج وطرح فكرة السلام الإقليمي وإنشاء دولة فلسطينية لإنهاء الصراع، إلا أن نتنياهو يعمل ويطمح بالوصول للسلام الإقليمي مع دول المنطقة دون البحث لإيجاد دولة فلسطينية، وفي الوقت ذاته يرغب بنجاح صديقه المقرب ترامب الذي سوف تعمل إدارته مع الوضع الراهن بطريقة يعتقد اليمين الإسرائيلي بأنها ستؤثر إيجاباً على مستقبل المنطقة بالنسبة لنتنياهو وحكومته، فهو يحاول المماطلة لما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة المزمع عقدها في الخامس من تشرين الثاني المقبل، خصوصاً أن الإدارة الحالية أصبحت منشغلة تماماً في المعارك الانتخابية والدعايات والملف الانتخابي للرئيس الديمقراطي، وبات واضحاً أنها دخلت مبكراً جداً مرحلة البطة العرجاء التي بالعادة تكون بالفترة الثانية في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية.