لطالما كانت قضية ترشيق المؤسسات الحكومية والدوائر الإدارية محل اهتمام واسع، حيث تشكل إدارة الموارد البشرية، وتحفيز الموظفين أساسًا حيويًا لتعزيز الكفاءة وتحسين الأداء، وكان أن تذرعت الحكومة بأن نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، يهدف إلى ترشيق القطاع العام، وتعزيز العمل، ورفع كفاءة الموظف، وتحقيق العدالة بين الموظفين، وتحفيز الموظف الكفؤ، بحسب الحكومة.
ويبدو ان الحكومات المتعاقبة لديها مشكلة مع موظفي القطاع العام، حيث فرضت على المؤسسات والدوائر الحكومية إحالة الموظف الذي تبلغ عدد إشتراكاته في مؤسسة الضمان الإجتماعي 360 اشتراكًا إلى التقاعد، دون رغبته، حيث أن العديد من الموظفين تمت إحالتهم إلى التقاعد المبكر، مما قلص من رواتبهم وحرمهم من الحوافز التي كانوا يتقاضونها وهم على رأس عملهم في مؤسساتهم ودوائرهم في القطاع العام.
كما يتم منع المتقاعدين وفقًا لنظام التقاعد المبكر، من العمل، إلا وفقًا لشروط محددة، بحيث يقتطع جزء من راتب التقاعد المبكر "المخفض أصلا"، وبالتالي يحصل الموظف على راتب تقاعد مبكر مخفض ومقيد، يمثل حالة من الغبن الواضح، مقارنة مع المتقاعدين ممن بلغت أعمارهم الستين عامًا.
وعلى إفتراض أن الحكومة تريد حل هذا الإشكال مع موظفي القطاع العام، فبإمكانها تقديم خطة متكاملة لتحفيز الموظفين على الإحالة إلى التقاعد المبكر من تلقاء أنفسهم، دون تعسف، مما يعزز من فرص التحديث والتجديد داخل المؤسسات الحكومية، وذلك من خلال عدة نقاط، وهي، أولاً: إقتراح برنامج تحفيزي لترقية الموظفين، ممن بلغوا سن التقاعد المبكر، ولديهم إشتراكات تؤهلهم لذلك، إلى درجات أعلى من تلك التي يحتلونها حالياً، وذلك في حال كان لديهم الرغبة في التقاعد المبكر.
ثانيًا: منح عدد من الزيادات السنوية على رواتب الراغبين في الإحالة إلى التقاعد المبكر، إذ أن هذه الخطوة، لا تقتصر على الحافز المالي حصرًا، بل تعكس أيضاً تقديرًا عميقًا لتفانيهم وتميزهم الوظيفي طوال سنوات خدمتهم في القطاع العام.
ثالثًا: تقتضي العدالة والمساواة أن يتاح للموظفين الذين يحالون إلى التقاعد المبكر، العمل بعد تقاعدهم فورًا، أسوة بالمتقاعدين العسكريين من الجيش والشرطة والدرك والدفاع المدني وكافة الأجهزة الأمنية، الخاضعين لمؤسسة الضمان الإجتماعي، حيث يستطيع الجندي والشرطي والمنتسب إلى الأجهزة الأمنية كافة، والمحال إلى التقاعد المبكر، وبناءً على رغبته، العمل في أي شركة أو مؤسسة أو دائرة، دون تخفيض راتب التقاعد المبكر الذي يتقاضاه، وبالتالي يستطيع الجمع بين راتب التقاعد المبكر كاملًا دون تقليص، إلى جانب الراتب من عمله الجديد.
فإذا كانت الحكومة جادة في رغبتها في ترشيق القطاع العام، فإن هذا الإقتراح من شأنه معالجة الفجوة بين المعايير المطبقة على المدنيين من جهة، وتلك المطبقة على العسكريين، من جهة أخرى، مما يؤدي إلى تحقيق العدالة والمساواة، والتي ننشدها جميعًا.
إن تحفيز الموظفين في القطاع العام للإنتقال إلى التقاعد المبكر، لا يقتصر على الإسهام في خفض تكاليف العمل وترشيد الموارد، بل يفتح أيضاً المجال لتجديد القوى العاملة، وفتح الباب على مصراعيه أمام الشباب الطموح للولوج إلى الساحة الوظيفية والخضوع لنظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، بحيث تكون لدينا إستراتيجية فاعلة، ولا يمكن تجاهلها، في سعينا نحو إدارة أكثر كفاءة وفعالية، بحسب الإدعاءات الحكومية، التي تحاول تسويقها إعلاميًا.