من يعتقد أن استقرار المملكة الذي تعيشه، برغم كل التحديات التي واجهتها في السنوات الثلاث الماضية، جاء محظ صدفة او بالدعاء فقط فهو واهم ومخدوع ولا يعرف شيئاً أو أنه يحاول انكار الحقيقة..
تخيلوا أن الحكومة لم تقم بالاستدانة واستكانت للواقع والتحديات التي عايشناها من جرّاء كورونا والحرب الروسية الاوكرانية وحالياً العدوان على غزة.. وإلى أين سيكون مصيرنا الاقتصادي؟ ومن سيرحم الحكومة اذا ما هوت العملة الوطنية، لا قدّر الله، وتراجعت القيمة الفعلية للممتلكات ووصلت معدلات التضخم الى 40% وارتفعت الاسعار وانقطعت السلع وانهارت المنظومة الصحية والتعليمية والخدمية والمصرفية لدينا؟!
اذا ما استعرضنا تصاعد المديونية في السنوات الثلاث الماضية بعيدا عن جلد الذات سنجد انها طبيعية جدا مقارنة مع التحديات التي واجهتها الحكومة الحالية وما تحقق من نتائج، فالحكومة ورثت مديونية مقدارها 30 مليارا حتى نهاية العام 2019، وبعدها دخلت جائحة كورونا وما رتبته من آثار وتداعيات اقتصادية وصحية؛ فاضطرت الحكومة الى استدانه خمسة مليارات دينار في العامين 2020 -2021 لدعم الاقتصاد بمختلف القطاعات وكذلك القطاع الصحي لضمان استدامته وعدم الانهيار الصحي والاقتصادي.
وهنا لابد من الاشارة إلى أن 2 مليار دينار من اصل الخمسة مليارات دينار تم استدانتها خلال 2020 ذهبا لسداد العجز الطبيعي في الموازنة، وهذا يعني أن الحكومة استدانت لاجل مواجهة «كورونا» وتداعيتها 3 مليارات دينار لضمان سيرورة الحياة ودعم القطاع الصحي وبرامح «استدامة» لضمان عدم تسريح العمالة لديها بعد توقفها عن العمل لشهور ودعم القطاع الخاص لضمان توريد البضائع وعدم انقطاعها وارتفاع اسعارها ودعم خطط التعافي الاقتصادي.
وما ان نجحت الحكومة بخطط التعافي الاقتصادي واجراءات إعادة الحياة لطبيعتها دون خسائر اقتصادية او خسائر صحية تفاجأت كما العالم اجمع بالحرب الروسية الاوكرانية، فاستدانت 3 مليارات دينار بالعام 2022 منها مليار ونصف المليار لسد عجز الموازنة الطبيعي في كل عام و1.5 مليار دينار لاجل مواجهة موجات «التضخم» التي اجتاحت العالم، وما كان امامها الا دعم القطاعات واعفاء السلع من الرسوم الجمركية والضرائب واستبدال ايراداتها بالاستدانه لتغطية عجوزات الموازنة ما جنبنا التضخم وارتفاع السلع وانهيار العملة الوطنية.
مؤخرا الجميع يعلم جيدا الآثار الكبيرة للعدوان على غزة والتداعيات المعقدة على «الاقتصاد الوطني» ما اضطر الحكومة للذهاب سريعاً للاستدانه بما يقارب 3 مليارات دينار منها 1.2 مليار لسد العجز و2 مليار لمواجهة تلك التداعيات والتي لولاها لكان حالنا غير هذا الحال الذي نحن عليه، مستندة الى التصنيفات العالمية وتقرير الصناديق العالمية التي تؤكد منعة واستقرار الاقتصاد الاردني بمواجهة هذه التداعيات ومنها تراجع السياحة والاستثمار وتعقيدات الشحن البحري.
خلاصة القول، خيراً فعلت الحكومة بتوجهها للاستدانة لضمان سير اقتصادنا بالاتجاة الصحيح، فالمديونية وفي المنظور الاقتصادي ليست عيباً ولا تعني خللاً اقتصادياً ما دامت انها تترافق مع نمو اقتصادي حقيقي ونسب انتاج متصاعدة واقتصاد قادر على جذب الاستثمار والسياحة والتصدير والتشغيل وخفض البطالة وسداد الالتزامات الداخلية والخارجية وهنا تكون «المديونية ايجابية»، ولا خوف منها ولا يحزنون.