تلقيت خلال الأيام الماضية عددًا كبيرًا من الاتصالات حول المقالات الأخيرة التي تناولت فيها الشأن المالي للخزينة والتحديات والصعاب التي تواجه المالية العامة. أكثر الاتصالات التي تلقيتها، حتى من المقربين، كانت تستفسر ماذا حدث بيني وبين وزير المالية، وذلك لأن المقالات الأخيرة، والأكثر شيوعاً في الاستفسارات كانت تركز بشكل مباشر على الأشخاص، بمعنى أن التساؤل كان ينصب حول ماذا حدث مع الوزير الذي كنت أكتب بإيجابية عالية عن أدائه وتميزه خلال السنوات الخمس الماضية، لتنقلب فجأة بوصلة الكتابة إلى النقد العلني والمباشر. أقولها بصراحة وللتذكير فقط، إن وزير المالية الدكتور محمد العسعس هو صديق شخصي وبمثابة الأخ، وهو فضلاً عن ذلك جاري الودود، وكل ما كتبته من إشادة بدوره في السنوات السابقة في تحقيق الاستقرار المالي وعدم رفع الضرائب على المواطنين في الفترات الماضية، ومواصلته تنفيذ عمليات الإصلاح بالشكل المطلوب والمتفق عليه في قوانين الموازنة أولاً، واتفاقيات التصحيح الهيكلي ثانياً، هو كلام صحيح ولا أحد يستطيع إنكاره، ولا بد من الإشارة إليه بإيجابية عالية، لما كان لذلك من أثر بالغ في تحقيق الاستقرار الكلي للاقتصاد، واستدامة العلاقات المؤسسية مع المانحين والمؤسسات الدولية، وتجاوز العديد من العقبات والصدمات المحلية والإقليمية والدولية بأقل الخسائر كما حدث في أزمة كورونا. طبعاً، هذه الإنجازات لا تسجل للوزير فقط، إنما تسجل للفريق الحكومي الذي عمل بإخلاص وتفانٍ لتجاوز تلك الأزمات باقتدار وكفاءة عالية وضمن أقل الموارد المتاحة، ولا ننسى أن نذكر أن وزارة المالية، وفي أصعب الظروف لم تتخلَّ عن واجباتها والتزاماتها المالية سواء الداخلية أم الخارجية، مما زاد ثقة المؤسسات والجهات الدولية بالاقتصاد الأردني؛ ولهذا الإنجاز استحق الوزير التكريم الملكي الأخير بمنحه وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، لأنه كان له دور رئيسي ومؤثر فيما تحقق بالسنوات الأخيرة على صعيد السياسة المالية. لكن كل هذا لا يمنع من توجيه النقد له والضغط عليه في حال عدم الاستمرار في عمليات التصحيح وحماية الاقتصاد الوطني من أي احتمالات تعثر قد تحدث في المستقبل القريب، أو الشعور ببطء الإجراءات الحكومية لمواجهة أي احتمالات في تراجع عدد من المؤشرات المالية كما يحدث الآن في الاقتصاد عامة، والموازنة خاصة. النقد أو المديح ليس لشخص الوزير، وإنما للمنصب العام والمسؤولية الجسيمة الملقاة على هذا المنصب وما تحمله من تبعات خطيرة في حال عدم تداركها بالشكل والوقت الصحيحين. طبعاً الوزير مدرك تماماً للتحديات الراهنة التي تواجه الموازنة، ويعرف جيداً أسبابها، ويعي جيداً الحلول والإجراءات التي يجب اتخاذها، وهي لا تختلف أبداً عما أطالب به، وأدعو الحكومة دائماً لتحقيقه، والخلاف هو في التوقيت والظرف لمثل اتخاذ أي قرارات إصلاحية لوقف نزيف الخزينة، وهذه وجهات نظر قابلة للنقاش وليست مقدسة. رأيي الشخصي المتواضع وبحكم الخبرة والاطلاع على تفاصيل دقيقة في الاقتصاد الوطني خلال العقود الماضية أرى أن التأخر في مواجهة مثل هذه الحالات هو عبارة عن ترحيل مشاكل لا أكثر وقنابل ستنفجر في وجه المسؤولين والمواطنين لاحقاً، وكلما تأخرت الحكومة في اتخاذ الإجراءات المطلوبة سيكون الثمن أكبر وأكثر كلفة مع مرور الوقت. كل ما أكتبه هو رأي شخصي مستند إلى معلومات صحفية دقيقة في الشأن الاقتصادي، وليس له أي علاقة بالأشخاص أبداً الذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير، والحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع أن أحد الاتصالات التي تلقيتها كان من وزير المالية نفسه الذي تحدث بأسلوب راقٍ ومهني بعيداً عن الشخصنة.