البعض ممن قرعوا رؤوسنا وطالبوا تكرارا ومرارا بضرورة اجراء اصلاحات سياسية وادارية في القطاع العام هم نفسهم اليوم من يحاولون احباطها ويرفضونها ويحاولون افشالها بحجج لا نفهمها ، فيطالبون بمحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية وغياب العدالة في القطاع العام وعندما يحدث هذا يرفضونه ويهاجمونه ، فاي انفصام هذا ؟ .
ما ان اصدرت الحكومة التعليمات والانظمة المختصة بالموارد البشرية حتى انهالت عليها اللعنات والاتهامات، فاين الغلط في منع الموظف الحكومي بان يعمل في وظيفتين للحد من الازدواجية التي لربما تتسبب بفساد ارضاء للقطاع الخاص الذي يعمل به ، واين الخطأ في معالجة مشكلة الاجازة من غير راتب لموظفين قرروا ان يحجزوا وظائفهم في انانية مفرطة على حساب الخريجين الجدد وهم خارج البلاد.
واين الخطأ ايضا في محاربة الفساد الوظيفي من خلال مكافأة المجتهد واعطاء كل ذي حقه بعيدا عن الواسطة وابن فلان واخو فلان واخضاع اشغال المناصب للكفاءة ، واين الخطأ في معاقبة المقصرين وتسريحهم من العمل وبشكل قانوني في حال عدم تعاملهم بمسؤولية في الاماكن التي يشغلونها ، واين الخطأ بربط المكافآت والحوافز بنوعية العمل ومدى الحاجة لمهارات لاشغالها ؟ .
بدأت ادرك تماما بعد حالة الهجوم والتشكيك بالاصلاحات والتحديثات التي قامت بها المملكة خلال الثلاث السنوات الماضية من قبل من طالبوا بها ومازالوا يطالبون بها رغم نفاذها سواء سياسية او ادارية او اقتصادية ان هناك زمرة اعتادت على التشكيك في كل شيء واللعب على وتر الشعبويات واللايكات ، وبعض منهم يشكك بها لاجل الابتزاز والابقاء على صوتهم النشاز فاعلا كلما ارادوا ابتزاز الدولة.
فمثلا التحديث السياسي وما رافقه من تعديل وتغير في القوانين الناظمة للعملية السياسية سواء النظام للاحزاب وتشكيلها وقانون انتخاب عصري ويعطي المواطنين حرية الاختيار والتفضيل ما بين الاحزاب وحسب برامجها وما بين قوائم وطنية ، غير ان نفس المنظرين يشككون في المنظومة وبدأوا يسخفون من العملية الانتخابية بمصطلحات مبيوعة ، وحشوات ، وبيع المقاعد في الاحزاب ، والاهم انهم لم ينضموا لاي حزب ويحاربوا المشاركة في الانتخابات.
وكذلك رؤية التحديث الاقتصادي ، فيطالبون في تحسين الجودة ورفع الدخل وجذب الاستثمار وانهاء البيرقراطية وتحسين الاداء الحكومي والخدمات المقدمة من قبلها ، وفي المقابل يهاجمون رؤية التحديث الاداري التي لن تنجو الرؤية الاقتصادية من دونها لضمان تحسين ورفع كفاءة الموظفين الحكوميين فهم من سينفذونها .
خلاصة القول، ان ما يحدث من هجوم حاليا على الاصلاحات الادارية والسياسية من قبل اصحاب الاجندات والمصالح الخاصة والمتضررين منها الذين يتلاعبون بالمصطلحات ويخدعون الرأي العام بمساعدة اعلام شعبوي خالص، يضعنا تحت انطباع ان هناك حالة من الانفصام تكمن في انهم يطالبون بالاصلاحات وثم يرفضونها بنفس الوقت، وكما يقول المثل الشعبي ما بعجبكوا العجب ولا الصيام برجب، واحترنا يا قرعة من وين نبوسك.