هل يمكن أن نستدرك ما حدث من أخطاء في تجربتنا الحزبية قبل أن يداهمنا موعد إجراء الانتخابات البرلمانيه القادمة (10 /9)؟ لا أدري، لكن من واجبنا أن نقرع الجرس، لان الاستمرار في هذا المسار الحزبي الحالي الذي انكشف تماما أمام الأردنيين سيفضي إلى نتيجة لا يتحملها البلد، ولا تتناسب مع الآمال التي عقدناها على مشروع التحديث السياسي الذي يمثل مشروع الدولة، وبضمانة الملك، الاستدراك، إذاً، واجب، تقع مسؤوليته على من يتقدمون صفوف الأحزاب، وعلى إدارات الدولة المعنية، وعلى الأردنيين الذين كان هذا المشروع الوطني يشكل حلما لهم، وقد حان الوقت لكي يدافعوا عنه.
ما ذكره رئيس الوزراء الاسبق (رئيس لجنة التحديث السياسي)، سمير الرفاعي، في محاضرته، قبل أيام، حول واقع الأحزاب يستدعي أن نفكر جديا بإنقاذ ما يمكن انقاذه لتصويب الحالة الحزبية، أقصد -تحديدا - ضرورة إفراز قوائم المرشحين للانتخابات في سياق ديمقراطي، بعيدا عن المحاصصات، ومنصات الدفع والتوريث، الأردنيون ينتظرون أسماء موثوقا بها، وبرامج حقيقية، تقنعهم للذهاب إلى الصناديق، وتبدد ما تراكم لديهم من هواجس تكرار الوجوه، وارث توزيع الغنائم السياسية، وتثبت لهم أن مرحلة جديدة بدأت في حلقة مراحل ثلاثة، تنتهي بحكومة برلمانية، تخرج من رحم الأحزاب، متى استحقت ذلك.
لا أريد أن أُقلّب المواجع، سبق ودعوت، قبل اكثر من سنة، إلى ضرورة تقييم التجربة الحزبية، وتساءلت قبل ذلك: كيف تشكلت الأحزاب، ومن اختار قياداتها، وما هي برامجها ومن الأعضاء الذين سجلوا بها، واين دور الشباب فيها، ولماذا غابت برامجها عن النقاش العام، ثم لماذا انسحب الجمهور عنها؟ الإجابات، آنذاك، كانت متاحة، والمعالجات أيضا، لكن حدث ما حدث، هذا الذي لم اتفاجأ به ولم يصدمني، المهم، الآن، أن نفكر في الربع ساعة الأخيرة وبجدية (هل أقول بمنطق وطني؟) بما يجب أن نفعله، وبأسرع ما يمكن.
ما يجب أن نفعله يستند إلى سياقين أو عنوانين، الأول : نزع الانتهازية السياسية ( لا تسألني كيف؟) من الطبقة السياسية والحزبية، وإعادة تذكير الجميع بالمصالح الوطنية العليا للدولة، والظروف الخطيرة التي يمر بها بلدنا، والمسؤولية الواجبة لإنجاح مشروع التحديث السياسي، الثاني : توجيه إدارات الدولة لتوفير ما يلزم من مناخات عامة لتمكين الأحزاب من الحركة والاعتماد على نفسها، وعدم فرض الوصايات عليها، ثم مساعدتها، إذا لزم الأمر، لتصحيح أخطائها، مع ضرورة مخاطبة الأردنيين ومصارحتهم بضرورة المشاركة بالانتخابات، وإقناعهم بذلك.
أعرف، تماما، أن تجربة التحديث السياسي لا تتحمل الفشل أو الإفشال، أعرف، أيضا، أن المأمول منها في هذه المرحلة أن تؤسس لحالة سياسية جديدة، ولا يجوز بالتالي أن نتوقع منها الآن أن تشكل تحولا كاملا في المسار السياسي، اعرف، ثالثا، ان عوائق مفهومة كثيرة تقف أمام التجربة، سواء بسبب الظروف الداخلية والمحيطة بنا، أو بسبب الموروثات الحزبية التي هزت قناعات الأردنيين بها، أو لأسباب أخرى تتعلق بالبنى الاجتماعية والاقتصادية التي يتشكل منها مجتمعنا.. الخ، لكن ما يجب أن يعرفه الأردنيون ويقتنعوا به هو أن هذا المشروع السياسي ضرورة للحفاظ على استقرار الدولة واستمرارها، وأن الغياب أو الاعتذار عن المشاركة به ودعمه سيفتح المجال لدخول آخرين لا يريدون أن يتنازلوا عن امتيازاتهم التي انتزعوها من الوضع القائم، وليس لهم مصلحة في أن يكون للأردنيين مشروعهم، ولا أن يكون للدولة روافع سياسية جديدة بديلة عنهم.. وفهمكم كفاية.