265 يوما مضت على الحرب الإبادية والمجازر الوحشية والكارثة الإنسانية والتجويع الممنهج الذي ارتقى إلى جريمة حرب فلا يزال المجتمع الدولي صاحب المعايير المزدوجة والقوانين الإنسانية المنمقة والاعلانات العالمية لحقوق الإنسان والملاحق المفصلة والمواثيق الدولية عاجر عن التدخل بشكل مباشر في إدخال المساعدات الإنسانية للرضع والأطفال والنساء وكبار السن والعجزة ، فقد أعلنت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية أن قرابة 21 ألف طفل بقطاع غزة ظلوا تحت الأنقاض أو اعتُقلوا أو دُفنوا في مقابر مجهولة أو جماعية ، وأن الاحصائيات الرسمية تشير إلى سقوط 38 ألف شهيد .
في ظل التداعيات اليومية والمشاهد الإنسانية المؤلمة والتخاذل والصمت العالمي لا يزال هناك بصيص من الأمل يراود الكثير منا بإنهاء الحرب الدائرة للوصول إلى هدنه إنسانية تلبي الطموحات في غزة .
بعيدا عن التشريعات الإنسانية والقوانين الناظمة لها غير الفاعلة وغير المفعلة وقريبا من ورائح الدماء الزكية والقصص والروايات البطولية والثبات والصمود للإنسان صاحب الجذور الأصيلة في غزة يجب أن نتحدث عن ظاهرة تتمثل في واقع الإنسان العربي والمسلم بعيدا عن المجتمع الدولي في تقديم العون والمساعدة وواجبه الإنساني في هذا الوقت العصيب الذي تمر به غزة وأهلها .
من المعلوم أن تقديم المساعدات في النوازل والكوارث والحروب تحديدا يكون في بدايته على أعلى الدرجات والمستويات والتعاطف فأغلب النوازل يستمر الدعم الدولي والأممي والحكومي والشعبي لسنوات إلا في غزة استمر التفاعل لشهور فقط وتوقف وسط تعتيم إعلامي وإخباري لم يسبق له مثيل .
كارثة إنسانية ومجاعة حقيقية بكل أركانها تحدث الآن في غزة وأكثر ما يؤلم ليس التخاذل الدولي والعربي والإسلامي إنما الصمت الشعبي في تقديم المساعدات الإنسانية الذي بلغ أدني مستوياته فلم يمض على الحرب في غزة عام واحد وتكاد تجد أغلب شعوب العالم قد تخلت عن واجبها الإنساني لقاء هذه القضية العادلة مع الإشارة إلى أن هناك جهود تبذل من بعض الشعوب مع بالغ التقدير والعرفان لها ولكنها لا ترتقى إلى سد الحاجيات الأساسية .
إن التراجع الشعبي في تقديم المساعدات الإنسانية في غزة ظاهرة بحاجة إلى دراسة لمعرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك ففي الوقت الذي تقوم به بعض الدول بمنع أو تقييد أو عدم السماح بتقديم المساعدات هناك دول تجرم تقدم المساعدات من ناحية ومن ناحية أخرى هناك من يتحدث عن صعوبة إيصال المساعدات نتيجة إغلاق المعابر بشكل شبه كامل يتبع ذلك عدم وجود رغبة حقيقية في الضغط على إسرائيل في إدخال المساعدات الإنسانية وخاصة من الدول الغربية والدول التي لها علاقات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل أما عدم وجود امكانيات مادية لتقديم المساعدات فهذا التبرير لا يمكن أن يكون له أي وزن .
إن الصمت الشعبي في تقديم المساعدات الإنسانية ظاهرة تستحق الدراسة ففي الوقت التي تقف مئات الشاحنات المحملة في البضائع على الحدود مع غزة من بعض الدول هناك دول عربية وإسلامية لم تقم حتى بحملة شعبية واحدة من أجل تقديم المساعدات ناهيك عن عدم وجود توجه رسمي لذلك .
إن التجربة الفريدة التي تقوم بها الأردن في عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية يمكن لها أن تكون بوابة لتقديم المساعدات وبشكل شبة دائم إن كانت هناك إرادة صادقة من المجتمع الدولي في ذلك فما الذي يمنع أن تقوم الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية بجسر جوي يومي متواصل لإنزال المساعدات الإنسانية بشكل رسمي ومهني ونظامي .
إن ما يحدث في غزة من تجويع وحصار وقتل جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان واضحة الدلالة والثبوت ارتقت منذ أشهر إلى حرب إبادة جماعية .