ضرورة مواصلة الإصلاح الاقتصادي لا يمكن التشكيك فيها، فالعلاقة بين الأردن وصندوق النقد الدولي مبنية بالأساس على الاستمرار في تنفيذ عمليات الإصلاح.
بمعنى آخر، إذا حدث أي خلل في تنفيذ الإصلاحات، سيطلب الصندوق إجراءات تصحيحية لضمان استكمال البرنامج، فهذه العلاقة المؤسسية مع صندوق النقد الدولي هي علاقة قوية ومرتكزة على الحفاظ على نهج الإصلاحات، مما يعني أن التراجع عنها ليس خيارًا، بل خطر حقيقي على استقرار الاقتصاد الوطني.
الأردن يتمتع بارتباط مؤسسي قوي مع صندوق النقد الدولي، وعلاقات جيدة معه، مما يعزز من قدرته على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، فهذا الارتباط يعكس التزام الأردن بالسياسات الاقتصادية السليمة والإصلاحات الضرورية لضمان الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي. من الضروري الحفاظ على هذه العلاقات واستمرار الإصلاحات، إذ إن أي تراجع في الوصول إلى المؤشرات المحددة في قانون الموازنة يعد مخالفة للقانون، وسيعرض مصداقية الأردن للخطر، الإنجازات التي تحققت بفضل الإصلاحات الاقتصادية معرضة للتهديد إذا لم يلتزم الأردن بالمسار الإصلاحي.
لقد أثبت الاقتصاد الأردني مناعته بفضل السياسات الاقتصادية السليمة والإصلاحات المتبعة، فعلى سبيل المثال، حقق الاقتصاد الأردني نموًا اقتصاديًا بنسبة 2.6 % في عام 2023، على الرغم من التحديات الإقليمية الناجمة عن حرب الإبادة في غزة، وكما تمكن من تقليص عجز الحساب الجاري إلى أقل من 4 % من الناتج المحلي الإجمالي ورفع احتياطياته الدولية إلى أكثر من 17 مليار دولار، فهذه النتائج لم تكن لتتحقق لولا التزام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة بالتزامن مع قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مما ساعد على خفض معدل التضخم السنوي إلى 1.6 % بنهاية 2023.
الأردن يواجه تحديات مستمرة، منها الحرب في غزة والتوترات الإقليمية، ومع ذلك، أثبت الاقتصاد الأردني قدرته على الصمود، حيث انخفض العجز الأولي للحكومة المركزية إلى 2.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بنسبة 3.6 % في العام السابق، ورغم تأثيرات الحرب وتعطل التجارة، استمر ضبط الأوضاع المالية العامة بشكل تدريجي للحفاظ على الديْن العام ضمن مسار الانخفاض.
التزام المملكة بتنفيذ سياسات الاقتصاد الكلي السليمة يظل ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والنمو، فيجب على الأردن مواصلة تطبيق الإصلاحات الهيكلية لتحسين مستوى المعيشة وتعزيز مناعة الاقتصاد، حيث يظل البنك المركزي ملتزمًا بسياسة ربط سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي والمحافظة على معدل التضخم عند مستويات منخفضة، فالتحديات الإقليمية ما تزال قائمة، ومع استمرار الحرب في غزة، يواجه الأردن مخاطر اقتصادية جسيمة، لكن الاقتصاد الأردني قادر على التعامل مع هذه الصدمات بشرط عدم تصاعد الصراع إقليمياً.
التوقعات تشير إلى أن النمو الاقتصادي قد يبلغ 2.4 % في العام الحالي، مع اتساع عجز الحساب الجاري قليلاً إلى نحو 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وانحسار تأثيرات حرب الإبادة، يتوقع أن ينتعش النمو إلى 3 % في 2025، وأن يتقلص عجز الحساب الجاري، وهذا الانتعاش يعتمد بشكل كبير على استمرار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
السلطات الأردنية تواصل جهودها في تخفيض العجز المالي بشكل تدريجي وعادل، بهدف تحسين الاستدامة المالية وخفض الديْن العام إلى أقل من 80 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، فالدعم الكافي للأسر الفقيرة ورفع الإنفاق الرأسمالي ضروريان لتحقيق هذا الهدف، لذلك، مواصلة الإصلاحات الاقتصادية تعد أمرًا حيويًا للحفاظ على هذه المكتسبات وضمان تحقيق أهداف النمو المستدام.
أي تراجع في الوصول إلى المؤشرات المستهدفة في قانون الموازنة يعتبر مخالفة للقانون، ويعرض مصداقية الأردن للخطر. في الختام، لا يمكن للأردن السماح في التراجع عن الإصلاحات الاقتصادية، فالتزامه بهذه الإصلاحات هو ما يضمن له الدعم الدولي، ويعزز مناعته الاقتصادية، وأي تراجع عن هذا المسار يعرض الاقتصاد الأردني لمخاطر جسيمة، ويضعف مصداقيته الدولية.