أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطاح يكتب: هل تُواجه إسرائيل خطراً 'وجودياً' بالفعل؟!


د. أحمد بطّاح

بطاح يكتب: هل تُواجه إسرائيل خطراً 'وجودياً' بالفعل؟!

مدار الساعة ـ
​​ حين أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" حَربَه الهمجية على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر أدّعى أنّ إسرائيل تواجه خطراً "وجودياً"، وقد كان المقصود أنّ إسرائيل لا تواجه خطراً عارضاً أو بسيطاً بل إنّ وجودها ذاته كدولة مُعرّض للخطر، ومن هذا المُنطلق قام بتشكيل ما سُمّي بمجلس الحرب الذي ضمّ إثنين من رؤساء الأركان السابقين (غانتس، وإيزنكوت)، بالإضافة إليه وإلى وزير دفاعه (جالانت)، ووزير الشؤون الاستراتيجية (دريمير)، ومن هذا المُنطلق يرفض نتنياهو إيقاف الحرب إلّا إذا قضى على حماس رأس حربة المقاومة الفلسطينية، وضمان ألّا يُشكل قطاع غزه أيّ خطر مستقبلي على إسرائيل.
إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تتعّرض إسرائيل بالفعل إلى خطر "وجودي"؟ أم أنّ نتنياهو يدّعي ذلك لكي يبرّر حربه غير المسبوقة في تجاوزها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الرابعة، ولأخلاق الحرب المُتعارف عليها بين الأمم والشعوب؟!
إنّ الإجابة المباشرة على هذا السؤال هي أنّ إسرائيل لا تتّعرض إلى خطر "وجودي"، وللأسباب الآتية:
أولاً: أنّ إسرائيل دولّة قوية عسكرياً، ويُعدّ جيشها "الثامن عشر" في العالم حسب تصنيف مؤسسة (Global Power Fire)، وهي تتوفر على أسلحة غربية تمكّنها من التفوق النوعي على جميع جيرانها مجتمعين.
ثانياً: أنّ ندّ إسرائيل الحالي وهو "حماس" ليس أكثر من فصيل فلسطيني مُجهّز بأسلحة متواضعة قد يستطيع شن هجمة كبيرة ووازنة على إسرائيل كما حدث في السابع من أكتوبر، ولكّن حماس وبقية الفصائل الفلسطينية لا تستطيع أن تقضي على إسرائيل كدولة وكجيش بحيث تزيحها من الخارطة، وهذا هو معنى الخطر "الوجودي".
ثالثاً: أنّ إسرائيل تمتلك ترسانة نووية تتكون من أكثر من (200) رأس نووي حسب الخبراء، ومع أنها لا تعترف بامتلاكها للسلاح النووي رسمياً، إلّا أنّ من المؤكد أنها تمتلك هذا السلاح منذ ستينيات القرن الماضي، وهذا يعني ببساطة أنها قد تلجأ إلى هذا الخيار إذا شعرت أنها مُهدّدة بالزوال فعلاً، ومن المعروف أنّ إسرائيل أوشكت على استخدام السلاح النووي عندما تفاجأت بحرب أكتوبر عام 1973 لولا أنّ الولايات المتحدة أغنتها عن ذلك بمدّها بسيلٍ لا ينقطع من الأسلحة الحديثة، والتي مكنّتها من الصمود، بل ومن إحداث ما عُرف بثغرة "الدفرسوار" على الجبهة المصرية.
​صحيح أنّ السلاح النووي هو سلاح "ردع"، وقد لا يكون استعماله ممكناً وبخاصة ضد الشعب الفلسطيني الذي يعيش جنباً إلى جنب مع الإسرائيليين، ولكنه يظل سلاحاً مُهماً قد يتم استخدامه ضد حلفاء الفلسطينيين في المنطقة والإقليم إذا اقتضى الأمر ذلك.
رابعاً: أنّ إسرائيل محمية بتحالف غربي وثيق وبالذات من الولايات المتحدة، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة للغرب، وقد تجلّى ذلك في جميع الحروب التي خاضتها منذ نشأتها في عام (1948)، ولا أدل على هذا ممّا فعلته الدول الغربية بعد السابع من أكتوبر حيث هرعت إلى إسناد إسرائيل عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، بل شاركت معها فعلياً (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا) في صد الهجوم الإيراني الأخير عليها.
خامساً: الضعف العربي، وتوجّه المنطقة العربية بدولها المختلفة -وإنْ بدرجات متفاوتة- إلى قبول إسرائيل كدولة ودمجها في المنطقة وبالذات إذا قبلتْ بقيام دولة فلسطينية إلى جانبها على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كما تنص عليه المبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت (2002)، والتي أيّدها مجلس الأمن الدولي وعُرفت بما يُسمى "حل الدولتين".
سادساً: الموقف الدولي الذي لا يسمح بأن تتّعرض إسرائيل إلى خطر "وجودي"، فالدول الغربية (الولايات المتحدة، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، كندا، استراليا) كلها مع إسرائيل وجوداً وبقاءً، أمّا الدول الأخرى وهي أقل نفوذاً وقوة من المجموعة الغربية (روسيا، الصين، الهند…) فقد تُناصر الحقوق الفلسطينية في حدود معينة، ولكنّها لا يمكن أن توافق على تشكيل خطر "وجودي" على إسرائيل، ولذا علينا أن نلاحظ أنّ الاتجاه العالمي الآن وبعد السابع من أكتوبر هو للاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وفق حل الدولتين، ولكن ليس على حساب إسرائيل.
​وإذنْ فإنّ إسرائيل لا تواجه خطراً "وجودياً" كما يدعي مسؤولوها الآن وإنما هم يجاهرون بذلك لكي يبررّوا حربهم الإبادية على غزة، والواقع هو أنّ الخطر "الوجودي" الذي قد يكون على إسرائيل مستقبلاً هو ما قد يتمخض عن إنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني، واستمرارها في حربه عليه، حيث من المتوقع أن يستمر في مقاومته، ونضاله، ومن يدري فقد يأتي يوم (ولو بعد عشرات أو مئات السنين) تتأكل فيه عوامل قوة إسرائيل مع الزمن (التحالف مع الغرب، ضعف العرب، تفاعل عوامل الوحدة الإسرائيلية الداخلية)، وعندها تجد إسرائيل نفسها في خطر "وجودي" حقيقي، وبخاصّة أنها جسم طارئ على المنطقة، وقد قامت على أنقاض شعب أصيل هو صاحب الأرض منذ مئات إنْ لم نقل آلاف السنين ومصمم على استعادة حقوقه وهو مدعوم بأمة كبيرة ممتدة ساكنة حالياً ولكنها قابلة للتجدد كما حدث عبر التاريخ
مدار الساعة ـ