لا شك بأن ما قامت به الحكومة خلال السنوات الأربع الماضية من جهود لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي كان محط تقدير الكثير من الجهات التي رأت في الاقتصاد الأردني يخرج أكثر منعة تجاه الصدمات الإقليمية. الحكومة نجحت في الحفاظ على مستويات مريحة ومتدنية من التضخم مقارنة بما هو عليه في المنطقة، وكانت الأقل (2 %)، وبناء منظومة مهمة من المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية وتحديداً القمح (15 شهراً). الحكومة نجحت بشكل كبير في عدم زيادة أي ضرائب على المواطنين خلال السنوات الأربع الماضية، وأنجزت الموازنات السابقة وفق ما هو محدد بقوانينها، وأنهت العمل ببرنامج صندوق النقد الدولي العام الماضي بكل نجاح، ونجحت في إبرام اتفاق جديد للسنوات الأربع المقبلة ليتيح لها مساحات مالية تمكنها من مواجهة أي نفقات طارئة غير مخطط لها في الموازنات، ولا ننسى أن نؤكد أن النجاح غير المسبوق كان أيضاً في الإدارة الضريبية التي كانت فعلاً نموذجاً حقيقياً في الإصلاح، والتي ساعدت الحكومة في تجاوز الكثير من التحديات والعلاقات مع المؤسسات الدولية. أما السياسة النقدية، فقد قفزت لمستويات إيجابية غير مسبوقة في أصعب الظروف، ولعبت الدور الحاسم في تحسين نظرة وثقة المجتمع الداخلي والخارجي للاقتصاد الأردني، بفضل الإدارة الحصيفة في البنك المركزي التي حققت الإنجازات تلو الأخرى بهدوء، والنتيجة كانت ديناراً قوياً واحتياطات من العملات غير مسبوقة (19.2 مليار دولار)، وتراجع معدلات التعثر في الديون المعدومة (5 %)، وهبوط في الدولرة (18%)، ونمو في التسهيلات (3.5 %)، والتحسن الإيجابي في التصنيف الائتماني وغيرها من المؤشرات النقدية التي فعلاً تُسجل في سجل الإنجازات. لكن للأسف، مسيرة الإصلاح والإنجازات معرضة اليوم للتراجع الكبير نتيجة لأخطاء حكومية ، وهي نتيجة غياب منصات الرقابة والوقائية المسبقة. أخطأت الحكومة عندما لم تستغل تداعيات حرب غزة في إعلان ضبط النفقات العامة في قانون موازنة 2024، وكان من المفترض أن تأخذ بعين الاعتبار سلوكاً إنفاقياً جديداً أقرب للتحوط نتيجة تلك الحرب التي تتسلل تداعياتها بشكل تدريجي إلى القطاعات، وأن تعلن الحكومة منذ ذلك الوقت خطة طوارئ، وتوقف فوراً كافة أشكال الإنفاق غير الرشيد. الحكومة أخطأت عندما غفلت في الرقابة عن موضوع السيارات الكهربائية، وتركت تلك القنبلة التي غزت الأسواق المحلية بوجود ما يزيد على 200 ألف سيارة كهربائية ما بين مجمركة وحرة، وكانت تداعياتها واضحة منذ نهاية العام الماضي عندما بدأ التراجع في إيرادات ضريبة المحروقات بما يزيد على 200 مليون دينار في الربع الأخير، حينها كان على المعنيين تدارك هذه الخسارات بإجراء مالي سريع لوقف النزيف في تلك الإيرادات الاستراتيجية للخزينة. الحكومة أخطأت خطأً فادحاً بتنازلها المجاني في التخفيض الحكومي الكبير الذي قامت به خلال العام الماضي وتوحيد الرسوم الجمركية لأربعة مستويات وتخفيض الرسوم ما بين (0 - 5 - 10 - 20 %)، وسيكون هناك تخفيض جديد بداية العام المقبل، وهذا التخفيض سبب في تراجع الإيرادات، ناهيك عن تراجع ضريبة المستوردات نتيجة الإحجام المسبق للمستوردين عن الاستيراد بالشكل المطلوب نتيجة معرفتهم المسبقة بتخفيض مقبل على النسب الجمركية. أصابت الحكومة في الكثير من أعمالها، لكنها أخفقت مؤخراً في حماية إنجازاتها التي باتت على المحك نتيجة غياب الإدارة الصارمة في اتخاذ الإجراءات في الأوقات المناسبة، فهل تنجح في تدارك الأمور وإيقاف الخسائر في إيرادات الخزينة واتخاذ خطة طوارئ في النفقات.