مدار الساعة - رانا النمرات
المتاحف مرآة الحضارات الإنسانية أياً كان الزمان والمكان ومن أجل هذا تلبي شغف الارتحال بين العصور ومن أجل هذا ايضا ينجذب الناس اليها لقراءة تاريخهم مجسدا بما صنعته ايدي أجدادهم.
في اليوم العالمي للمتاحف الذي صادف في 18 أيار الماضي، وجدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) نفسها في متحفي الحليّ والأزياء والحياة الشعبية على الجانبين الشرقي والغربي للمدرّج الروماني في عمان وهناك قال مدير عام دائرة الآثار العامة الدكتور فادي بلعاوي إن الدائرة احتفلت بهذا اليوم تحت شعار "المتاحف من أجل التعليم والبحث العلمي" موضحا أن "لدينا ستة عشر متحفا نعمل على تطويرها لتصبح قادرة على تحقيق رسالة المتحف التعليمية والترفيهية والترويج لمواقعنا و ممتلكاتنا الأثرية وهي الرسالة التي تعمل عليها دائرة الآثار العامة".
وأكد بلعاوي وجود خطة طموحة وواقعيه لتطوير ستة متاحف ابتداء، منها متحفا الحلي والأزياء والحياة الشعبية ليصبح المتحفان ثلاثة متاحف.
وأشار بلعاوي إلى أن متحف الأردن هو الأهم، الذي يدار بإدارة خاصة، وأن الستة عشرة متحفاً الأخرى التابعة الدائرة الأثار العامة، يتصدر قائمتها متحف القلعة، وهو أقدم متحف أثري في الأردن والذي سيصار إلى تحديثه، كما سيتم تطوير متحف جرش و متحف أم قيس ومتحف دار السرايا في اربد، مبيّناً أن الدائرة تعتزم طرح العطاء للبدء بتنفيذ المشروع خلال هذا العام وسيتم افتتاح متحف مميز في الطفيلة بمواصفات عالمية ليحكي قصة الطفيلة عبر التاريخ، من خلال مقتنياتها ونقوشها بطريقة عرض فريدة، كما سيتم إعادة افتتاح متحف الكرك ضمن مشاريع القلعة، وافتتاح متحف جديد في العقبة في ساحة الثورة العربية الكبرى ضمن مشروع تطوير السياحة في العقبة، بالتعاون مع سلطة العقبة الخاصة وإعداد دراسات خاصة بمدينة الزرقاء وهي من المدن التي مرت عليها أقدم الحضارات عبر التاريخ.
من جهته، قال أمين متحف الحلي والأزياء محمود الخرابشة، إنه تم تأسيس المتحف عام 1972 ليحكي قصة الأزياء الشعبية في المحافظات الأردنية إضافة الى حماية هذا الإرث وحمايتها من الاندثار ونقلها للأجيال مثل زي المرأة الأردنية خاصة أثواب العرائس والمناسبات الرسمية.
وأوضح أنه كان يطلق على الأثواب مسمى "الخَلَقة" باستثناء ثوب معان الذي كان يطلق عليه أسم ثوب "الهرمز المعاني" وأخذ أسمه من طبيعة القماش المكون من الحرير أو الهرمز، كما يضم المتحف ثوب الكرك، وثوب عروس مادبا، والطفيلة، وبني صخر، وثوب السلط، والعدوان، وثوب إربد، لافتا أن الأثواب الأردنية التقليدية كانت تهتم بالحلي والإكسسوارات والتطريز.
وأضاف، إن "الخَلَقه السلطية" يصل طولها إلى 22 ذراعا، ولها طريقتها الخاصة في الارتداء، إضافة إلى الملفعة أو العصبة والاكسسوارات التي كانت ترتديها المرأة وغالبيتها من الحجارة الكريمة، مثل العقيق والفضيات والمشغولات الذهبية، مشيرا الى أن القلائد حظيت باهتمام كبير، ومن مسمياتها قلادة السمكة، قلادة كفوف ستنا زينب، وقلادة الصانع.
وأشار الى ان المتحف يحتوي على أكثر من 300 ثوب يعود الفضل في جمعها بجهود شخصية من سعدية التل، وصيتة الحديد إما عن طريق الشراء أو الإهداء، موضحا أن كل هذه الأثواب نسجت بالتطريز اليدوي ولم تدخل الآلة في حياكتها نهائيا ولذلك فإن كل ثوب ليس له نسخة أخرى وهذا من "النوادر".
وأكد الخرابشة أن ادارة المتحف تبذل جهودا استثنائية لتأمين بيئة مناسبة لهذه الأثواب والحفاظ عليها وحمايتها من العث والحشرات وتأثير الحرارة والرطوبة، مشيرا الى أنه يتم استخدام مواد طبيعية لهذه الغاية مثل الفلفل الأسود، وزهر الخزامى، والفلفل الأحمر، حيث توضع بأكياس بين الأثواب، كطارد للحشرات، إضافة الى تشميس الأثواب لتخليصها من من الرطوبة وهناك محاولات للمحافظة على درجة حرارة الخزائن التي تحفظ فيها الأثواب التي تصنف بأنها "أثواب أثرية نادرة".
وعرض من خلال سجل لمقتنيات المتحف ووصف كل قطعة ورقمها واسمها الشعبي وصور توثيقية للحلي، مشيرا الى ان العمل جار على اصدار نسخة إلكترونية للمقتنيات وعرض كل تفاصيلها.
وأعرب عن أمله ي توفير متخصص للعناية بالحليّ والأزياء الشعبية في المتحف، للمحافظة على الأثواب من التلف، وتوفير الرعاية والحماية المناسبة المتخصصة للمقتنيات المتحفية، من أجل إطالة عمر القطعة والمحافظة عليها.
كاثرين طالبة أميركية، قالت إنها قدمت مع أسرتها وزملائها من ولاية أوهايو لزيارة المتحف وإلقاء نظرة على المسرح الروماني وتوقفنا عند هذا المتحف، الذي وصفته بأنه "مثير للاهتمام، وجميل أن ترى جميع أنواع الملابس التي كان الشعب الأردني يرتديها، وكذلك المحاربون.
من جانبه، أشار الدكتور رامز استنبولي من جامعة "كيس وسترن ريسرف" إنه يُدرّس مادة تُعرّف بالعالم العربي و "التجربة الأردنية" وأنا هنا اليوم في المتحف تمهيدا لزيارة بعض المدن مع مجموعة مع طلبتي ليتعرفوا على تاريخ وحضارة الأردن الآتية من الآف السنين.
وأضاف، هناك فكرة خاطئة يروجها الإعلام الغربي عن البلاد العربية، وحين يأتي الطلبة إلى هنا يشاهدون تمازجا بين الحضارة القديمة التي عاشها الأردن والآثار التي تعبر عن ثقافة البلاد وتاريخها، اضافة إلى المرافق الحديثة والحياة اليومية على طبيعتها، خصوصا هذا المتحف الذي يعتبر حديثا فهو يغير الفكرة التي زرعت في الأذهان.
وأكد أن المتحف فضاء تعليمي مميز "لأن الطالب يرى في الصورة ما يدرسه في التاريخ وبذلك تنتقل المعلومة من كتاب وكلمات إلى رؤية ومشاهد لتصبح لديه فكرة أوضح عن التاريخ، كما أن المتحف مهم جدا لإيصال الرسالة التي نريد أن نوصلها عن تاريخ الاردن والحضارات التي مرت عليه".
وقال استنبولي، انه زار المتحف الوطني ومتحفي الحلي والأزياء والحياة الشعبية ويرى أنها متاحف ممتازة، لافتا إلى أن أحد طلبته فضّل المتاحف الأردنية على متاحف بلاده الأميركية.
بدوره، قال أمين متحف الحياة الشعبية محمود المحاميد، إن دائرة الاثار العامة افتتحت المتحف عام 1975 لجمع وحفظ التراث الأردني ودراسته وتدوينه وعرضه للجمهور بغرض التثقيف والتعريف وإبراز حضارة البلاد، موضحا أن المتحف يقسم إلى ثلاثة أقسام كالقبو، ويضم بيت الشعر والحياة البدوية والسوق الشعبي، وبيت الشعر، الذي يحيكه البدو في الغالب بلون اسود من شعر الغنم ووبر الجمال بعد غزلها الى خيوط ثم تنسج على نول خاص تصنعه المرأة البدوية.
ويبين المتحف دور المرأة في إعداد الطعام، حيث تتعاون مجموعة من النساء للقيام بالأعمال اليومية ومنها إعداد الخبز على الصاج وحلب الأغنام وخض اللبن في السعن (الشكوة) وإحضار المياه (الورّادة)، حيث تذهب المرأة إلى النبع لنقل الماء بواسطة قربة من الجلد والعادات التقليدية للأعراس وهودج العروس الذي يحمله الجمل وتجلس فيه العروس المتأنّقة بثوب الزفاف والحلي.
وأشار الى المحاميد الى غرفة السوق الشعبي الذي يضم صانع الذهب المنهمك في تشكيله بواسطة "كانون النار" بشبأشكال مختلفة، وكذلك صانع الفخار من الصلصال ومُلمّع الأدوات المنزلية النحاسي، أما النول الأفقي فمنه تحاك بيوت الشعر من الخيوط السادة بعد غسلها، إضافة إلى نول الحصر، كما أشار الى الجلسة السلطية حيث تجلس النساء يتسامرن بعد الانتهاء من الاعمال المنزلية وهنّ يرتدين الثوب التقليدي الفضفاض مع عصبة الرأس.