*محمد جودة يكتب، والمهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحللان*
في عام ٧٤، أي قبل ٥٠ عامًا، وصلت إلى مدينة بولونيا في إيطاليا، عاصمة مقاطعة إميليا رومانيا، أحد أغنى المقاطعات في شمال إيطاليا. وسكنت عند عائلة مكونة من ختيار وختيارة بدون أولاد فعاملوني كإبنهم، رحمهم الله. ونصحوني بأن أذهب إلى سوق الجمعة المقام في مركز المدينة الجميل يومي الجمعة والسبت. كان الختيار يشرح لي كيف تشكل هذا السوق ولماذا وملابساته. بعد الحرب، كانت البطالة منتشرة ولم تكن الدولة أو المحافظات قادرة على ضبط كل شيء، فانتشرت التجارة الحرة ومنها البسطات العشوائية حيث كان الجميع يسعى في طلب الرزق. وعبر مجموعات من التجار عن استيائهم من أصحاب البسطات العشوائية حيث تتسبب بسرقة الزبائن وتأخذ جزءًا من السوق بدون ترخيص ولا دفع ضرائب وكان صعبًا على السلطات إزالتها تارة لأسباب إنسانية وأخرى بأنهم يعودوا في اليوم التالي ويعود الوضع إلى الفوضى. هكذا حتى ظهرت مجموعة من العاقلين واقترحوا تنظيم عمل أصحاب البسطات من خلال نقابة خاصة بهم، وأعتقد التجار حينها بأن هذه النقابة سوف تعمل ضد مصالحهم بينما تبين بعد اللقاءات الأولى معهم بأنها تعمل لمصلحة الجميع بحلول مرضية أفادت الجميع. فتم الاتفاق على أن تنظم البلديات في كل قرية أو بلدة أو مربع في المدن الكبيرة، يومًا في الأسبوع تقوم البلدية بتأمين ساحة تتسع لسوق كامل من الصباح حتى المساء تكون في منطقة يسهل على المواطنين الوصول إليها. وأصبحت مجموعات النساء من زوجات وأمهات، الزبائن الدائمة لهذه الأسواق، وتم الاتفاق على أن يدفع كل ص
احب بسطة مبلغًا للنقابة تقوم بدورها دفع الضريبة للبلدية مقابل إيجار الساحة والخدمات المقدمة من كهرباء ونظافة المكان قبل وبعد التسوق. وتم الاتفاق مع التجار ببيع منتجاتهم خاصة البقايا بأسعار خاصة لأصحاب البسطات لتمكينهم من عمل الخصومات والأسعار الخاصة مما سمح للتجار بالتخلص بسرعة من سلعهم الزائدة والاستفادة بدورهم من وجود البسطات ومع المدة أصبح التجار شركاء فعليين لأصحاب البسطات وذلك لفرصة بيع سلعهم في كل أنحاء المحافظة وأصبح سوق الجمعة كل يوم في مكان وأصبح اسمه Il Mercato del venerdì أي سوق الجمعة. في السوق تتوفر كافة السلع من ملابس وأدوات منزلية وطعام وخضروات وأجبان وعدد وقطع غيار ومن كل شيء.. وهذا يثبت عدم تعارض البسطات مع سوق التجار بل يكون امتدادًا لهم يكفي التنظيم والإدارة السليمة.
*المهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحللان:*
المقال الذي قدمه الدكتور محمد جودة يعرض تجربة غنية وملموسة تشير إلى القيمة الاجتماعية والاقتصادية لأسواق الشارع التقليدية، والتي تعكس طريقة حياة مجتمع بأكمله وتفاعله مع الاقتصاد المحلي. النص يوضح كيف أن النزاعات بين التجار التقليديين وأصحاب البسطات العشوائية تم حلها بطريقة تعاونية من خلال تأسيس نقابة تنظم العمل وتعود بالفائدة على جميع الأطراف.
من خلال هذا التنظيم، استطاعت البلديات التي عملت على تنظيم هذه الأسواق تحقيق توازن بين حقوق الباعة الجائلين وحماية المستهلكين والحفاظ على نظافة وأمان الفضاء العام. هذا النوع من الإدارة يعتبر نموذجًا يمكن تطبيقه في مدن أخرى تواجه تحديات مماثلة في التعامل مع الأسواق الشعبية والبسطات.
إضافةً إلى ذلك، القصة تبرز أهمية الحلول الجماعية التي تعزز المصلحة العامة وتحفز النمو الاقتصادي المحلي، مما يسهم في استقرار ورخاء المجتمعات. هذا النوع من التعاون يمكن أن يعمل كأساس لبناء مجتمعات أكثر تكاملاً ودعماً للفرص الاقتصادية المتساوية.
ختامًا، مقال الدكتور جودة يعطينا فرصة للتفكير في كيفية تعزيز المشاريع الاقتصادية المحلية من خلال التفاعلات الإنسانية والحلول المبتكرة التي تراعي الجميع، مؤكدًا على أن التعاون والتفاهم المتبادل هما مفتاح النجاح في أي نشاط اقتصادي.