مَن منا لا يتذكّر قبل أربع سنوات من الآن, عندما كان السؤال الأكثر تداولاً "وحيرة" محمولة على قلق ومخاوف في بلاد العرب, هل يبقى صاحب "صفقة القرن" في البيت الأبيض لولاية ثانية؟, أم ان "نائب" باراك حسين اوباما, جوزيف بايدن الذي "فاز" بصعوبة بترشيح الحزب الديمقراطي, سينجح في إقصائه؟.
ليس سراً بل إن معظم العرب وخصوصاً سلطة الحكم الذاتي في رام الله, "تضرّعوا" الى المولى عز وجل ان يأخذ بيد بايدن ويُحقق حلمه بالجلوس على المكتب البيضاوي, كي ـ وهذا هو "الاهم" ــ يُصحّح بعض خطايا ترمب تجاه القضية الفلسطينية, وبخاصة إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن, كما مواصلة تمويل سلطة رام الله, وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة, ناهيك عن إعادة تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/ الأونروا, زد على ذلك (مِن وعود بايدن "الخُلَّبِية" خلال حملته الإنتخابية عام 2020), إلتزامه بإحياء عملية السلام على أساس "حل الدولتيْن".
ها هي سنوات بايدن الأربع تُوشك على الأفول, ولم يتحقّق من وعود بايدن أي شيء "البتّة", بل قاد وكرّس دبلوماسية منحازة بصلف وغَلظة, للدولة العنصرية الإستعمارية الإحلالية, مواصلاً تكرار الأسطوانة الصهيوأميركية المشروخة, بأنها "الدولة الديموقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط, وضارباً عرض الحائط بوعوده التي لم ينسَها فحسب بل تنكّر لها, ولم يتردّد في القول للفلسطينيين (أقصد سلطة الحكم الذاتي في رام الله), ان مطالبهم مُستحيلة التنفيذ, وانها بحاجة الى "معجزة" كي تُنفذ, وأنه (أي بايدن) ليس صاحب معجزات وعليهم بالتالي, إنتظار السيد المسيح (عليه السلام) لأنه وحده صاحب المعجزات.
هذا ما قاله وكرّره بايدن طوال ثلاث سنوات من جلوسه على المكتب البيضاوي, مواصلاً نهج ترمب, الى أن إستفاقت المنطقة والعالم على "هدير" طوفان الأقصى, في السابع من أُكتوبر 2023, ليكتشف الجميع حقيقة الإستراتيجية والدبلوماسية "الحقيقية", التي يُقارب بهما بايدن وفريقه (الإستشاري والتنفيذي), المُنتقى بعناية وحِرص شديديْن, المسألة الفلسطينية كما العلاقة مع الدول العربية, وخصوصاً مكانة ودور الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط, وما قد يتعرّض له من تحوّلات جيوسياسية.
فهل ثمة فوارق جوهرية بين سياسة بايدن وتلك السياسة الرعناء التي ميّزت حكم ترمب؟, وهل يمكن الرهان "مرة أخرى", على بايدن وبلينكن وسوليفان وأوستن (الجنرال المريض), كما ناطق مجلس الأمن القومي الأميركي/جون كيربي, الذي ذرفَ الدموع بغزارة على ضحايا 7 أكتوبر الصهاينة, فيما لا يتورع عن "نفي" حدوث إبادة جماعية في غزة تماماً, كما رئيسه بايدن, الذي قال علناً ان ما يحدث في غزة "لا يرقى الى إبادة جماعية", وهو نفسه/بايدن الذي واظبَ على القول: ان إلتزام واشنطن بأمن إسرائيل هو في "مرتبة القداسة", وهو ذاته الذي يُكرره بلينكن صاحب التصريح الشهير الذي يلازمه في حِلِّه وترحاله, بانه (يصِل الى إسرائيل.. كـ"يهودي" وليس كأميركي).
ما الذي إذن سيقوله (او قاله) "ترمب", إذا ما وعندما يفوز في إنتخابات الثلاثاء "الحاسم", في الخامس من تشرين الثاني المقبل؟. بل قبل ذلك.. ما الذي ستُسفر عنه مناظرته الأولى مع بايدن يوم الخميس الوشيك 27 الجاري؟.
بعيدا عن "همروجات" الرئيس السابق/ ترمب, وتصريحاته المتميزة بالتضارب والمحمولة على غضب وتسرّع وغالبا على عفوية أقرب الى السذاجة وبعض الشعبوية, فإن ترمب لا يُخفي إنحيازه الى الدولة العنصرية الفاشية, وفي الآن ذاته لم يتردّد (بعد خسارته الانتخابات الرئاسية لصالح بايدن) في انتقاد "اليهود", وإتهامهم بأنهم يفضلون مصالحهم اولا, علما (يُضيف ترمب), أن رئيسا أميركيا سابقا لم يُقدِم لإسرائيل ما قدمه هو نفسه, وراح يُعدد خطوات صفقة القرن ونقل السفارة والتطبيع.
هذا هو بل أكثر منه بكثير, هو ما قدّمه وما يزال يقدمه جوزيف بايدن, الى دولة العدو الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير والتعطيش والتهجير التي تشنّها واشنطن وتل أبيب على الشعب الفلسطيني.
قصارى القول.. ان مقولة الإختيار او تفضيل "السيّء على الأسوأ".. سقطت الآن عند المفاضلة بين بايدن وترمب, لأن المعادلة السياسية/ العيانية الماثلة أمامنا, هي الإختيار بين "الأسوأ والأسوأ". ونحسب ان الذي سيختار أيا منهما هو الشعب الأميركي, ولن يكون للعرب ( في المنطقة وليس للعرب الأميركيين), أي دور في إبقاء بايدن في البيت الأبيض, أو إعادة ترمب اليه.. فقديما قيل: "الخَلّ أخو الخردل".