خطاب طويل وهام استمعت اليه بتاريخ 13 حزيران 2024 باللغة الروسية مباشرة لرئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، تم بثه من وزارة الخارجية الروسية في موسكو بحضور وزير الخارجية سيرجي لافروف وجمع ونخبة من كبار رجالات السياسة والاقتصاد والأمن والإعلام في روسيا، وحديث جديد حول مخارج الحرب الأوكرانية التي آن لها أن تنتهي. ويستبق خطابه في أهميته مؤتمر "بورجنشتوك " في سويسرا الذي يعقد أعماله بتاريخ 15 و16 حزيران الجاري أيضا حول الحرب الأوكرانية وبمشاركة دولية واسعة ولكن من دون روسيا ولا حتى حتى أونلاين، رغم أنها طرف أساسي في الحرب والسلام.
ولقد أوضح خطاب بوتين بأن بلاده روسيا لم تبدأ الحرب الأوكرانية، وهذه حقيقة، وبأنها سعت للسلام منذ البداية حتى عندما وجهت جيشها تجاه العاصمة "كييف" وليس بهدف احتلالها عام 2022. وقال إن شروط روسيا الحالية لإنهاء الحرب وللذهاب لتوقيع سلام دائم مع العاصمة الأوكرانية، تتمثل بضرورة مغادرة الجيش الأوكراني للمناطق الأوكرانية السابقة التي حررتها روسيا، وهي " لوغانسك، دونيتسك " الدونباس "، وزاباروجا وخيرسون"، والسماح لروسيا بممر طبيعي تجاه إقليم "القرم" الروسي أيضا حسب تفسيرات موسكو. ومطالبة "كييف" بالإبتعاد عن عقد تحالفات عسكرية معادية ومع " الناتو " خاصة، والتزام الحياد. والواجب ملاحظته هنا هو بأن روسيا المنتصرة في الحرب والتي تعتبرها مجرد عملية عسكرية خاصة دفاعية تحريرية، هي التي تفرض شروطها لإنهائها،وهي حقيقة أخرى تجهلها " كييف " والغرب .
وفي ردة فعل فورية على خطاب الرئيس بوتين الأخير هذا صرح وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية لويد أوستن من بروكسل بأن بوتين لا يملك حق فرض شروط السلام على أوكرانيا. وتصريح مقابل للرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن من خلاله توقيع معاهدة أمنية مع " كييف " تمتد لعشر سنوات قادمة. وتوضيح من الرئيس بوتين بأنه كلما ماطلت " كييف " في توقيع سلام مع موسكو واستمرت الحرب ستكون هي الخاسرة وسوف يتم السيطرة على مناطق أخرى. ولم يتطرق الرئيس بوتين لسيطرة جيشه على مدينة خاركوف التي وصلها لحماية مدينة بيلغاراد الروسية الحدودية التي لازالت تتعرض للقصف الأوكراني. وتوجه روسي لفرض منطقة حدودية أمنة لتحصين الحدود الروسية الجنوبية. والمعروف هو بأن الحراك العسكري الروسي تجاه الأراضي الأوكرانية جاء ردة فعل على تطاولات نظام أوكرانيا على الأوكران، والروس الذين يشكلون 70% من سكان المناطق التي حررتها روسيا بعد عملتها العسكرية الخاصة عام 2022.
وفي الوقت الذي فتحت فيه موسكو- بوتين أبوابها للسلام مع العاصمة " كييف " ونظامها السياسي، ومع الغرب،و أعلنت عدم استهدافها لأوروبا،و اعتبار مثل هكذا حديث مجرد هراء وتسريبات خادعة، يجتمع المجتمع الدولي في سويسرا لأدانة روسيا جراء اجتياحها لأوكرانيا واعتبار ما جرى عام 2022 احتلالا يتوجب على روسيا التراجع عنه الى خلف حدود 24 / شباط منه،و هو الذي تنفيه موسكو بالإرتكاز على حزمة من الحجج القانونية منها مخالفة اتفاقية عام 2022، واتفاقية " مينسك "، وحوارات تركيا، ومادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن سيادتها، والأحقية التاريخية في المناطق الأوكرانية التي وصلت روسيا اليها حديثا. ويبحث في سويسرا امكانية حشد مزيد من الدعم المالي والعسكري للعاصمة " كييف " التي تعرضت حسب وجهة نظر المجتمع الدولي لحالة احتلال واختراق للقانون الدولي،و هو الذي لا تسانده موسكو وتعتبره مؤامرة كبرى عليها وعلى أوكرانيا معا.
لازالت العملية الروسية العسكرية الخاصة مستمرة في عملها داخل الاراضي الأوكرانية السابقة والتي تعتبرها أوكرانيا أراضي أوكرانية أصيلة، ولقد رفضت أوكرانيا – كييف شروط موسكو للسلام، ورفضها الغرب كذلك. ويشارك من الجانب الروسي حوالي 700 الف جندي وضابط روسي،و تعتبر روسيا حربها ليست ضد أوكرانيا أو الأوكران وإنما هي حرب روسية – أوكرانية – ومع حلف ( الناتو). ولقد دفع الغرب لغاية الان بحوالي 300 مليون دولار على شكل مساعدات مالية وعسكرية لكييف،و يحاول السيطرة على الوديعة المالية الروسية لديه والبالغة 300 مليار دولار والاستفادة من فوائدها لإعادة بناء أوكرانيا، أي غرب أوكرانيا. وتوجه غربي للتدخل المباشر في الحرب الأوكرانية – الروسية لصالح " كييف " التي يبلغ تعداد جيشها نحو 800 الف مقاتل. وبالمناسبة لا مجال للمقارنة بين قوة الجيش الروسي والذي هو من أقوى جيوش العالم، وتم تجهيزه لمواجهة حلف " الناتو " مجتمعا، وتملك روسيا قوة عسكرية فوق نووية وفرط صوتية.و عدد قتلى الروس بالمقارنة مع قتلى الأوكران من العسكريين يعادل 1- 8 حسب تقدير لرئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكا في مقابلة صحفية أوكرانية أجريت معه في الفترة الزمنية الأخيرة.
موقف روسي ثابت من الحرب الأوكرانية،يقابله موقف مغاير أوكراني غربي وغربي ثابت أيضا، ولا زالت المراهنات حول امكانية عقد سلام بينهما تراوح مكانها،و الغرب تحديدا معني بإستمرار الحرب الباردة وسباق التسلح لكي لا تبقى روسيا ناهضة وتقود عالم متعدد الأقطاب مغاير لاحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.و أخطر ما يمكن توقعه هو التفكير من جهة الغرب بتغيير مسار الحرب تجاه التصعيد النووي في زمن تمتلك فيه روسيا لوحدها ترسانة نووية غير مسبوقة وتضاهي ما يملكه حلف "الناتو"، وبقوة أضعاف قنبلتي هيروشيما وناكازاكي الأمريكيتين عام 1945 أكيد. وسلام ضعيف خير من حرب مدمرة مقولة سلافية صحيحة الواجب الاستفادة منها. ويصعب في المقابل تصور سلام أوكراني غربي مع روسيا بوجود تدخل الغرب. وكلما رفع يده عن الحرب تنتهي الحرب فورا. ومن الممكن بعدها أن تعود روسيا لاتفاقية "البحر الأسود" المتعلقة بحركة الحبوب الأوكرانية الى الخارج رغم أن روسيا عرضت حبوبها على الدول الفقيرة في العالم مجانا. والسلام وحده هو القادر على لجم سباق التسلح والعودة للإتفاقيات الصاروخية الضابطة للأمن النووي، وعلى لجم الحرب الباردة الإستنزافية لروسيا وللغرب الأمريكي معا.وكل دولة عالمية كبرى متفوقة في مجال معين يصعب لغيرها الوصول له. الولايات المتحدة الأمريكية عظمى أكيد،لكنها ليست الوحيدة في عظمتها – تقابلها روسيا في السلاح والصين في الاقتصاد. والأفضل للبشرية المحتاجة للتنمية الشاملة أن يعم السلام مكان الحروب. ولم يثبت العلم وجود حياة للبشرية في الكواكب الأخرى، فلنحافظ على كوكبنا الأرضي هذا.