من مصلحة الغرب الأمريكي، والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا قائدة احادية القطب السلبي و المثير للجدل عالميا و"الناتو" ادامة الحربين الأوكرانية وفي غزة ليس بسبب الحرص على تطبيق القانون الدولي في المعركتين، ولا حرصا على سيادة أوكرانيا صاحبة التاريخ المشترك مع روسيا و المنظومة السوفيتية السابقة، و لا من أجل البحث في حق الشعب الفلسطيني في العودة لارضه و بناء دولته و عاصمتها القدس الشرقية وفقا للقانون الدولي وقرار الشرعية الدولية 242،و إنما لديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح، ولاستهداف روسيا وأوكرانيا من جهة، والعرب وقضيتهم الفلسطينية العادلة من جهة أخرى خدمة لإسرائيل الهمجية والنازية -الخط الأحمر بالنسبة لأمريكا غير العادلة. وافتعال الأزمات الدولية والحروب.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991،واندلاع العملية الروسية الخاصة التحريرية الدفاعية عام 2022، بدأ العالم يتجه صوب تشكيل تعددية الأقطاب لتحقيق الاستقلالية والعدالة الدولية، ولإيجاد حلول ناجعة للأزمات و الحروب المندلعة. وكان لروسيا – بوتين و لازال مركز الصدارة في التوجه العالمي الجديد بمساندة الصين و للأنتشار في شرق وجنوب العالم، و ابقاء الباب مواربا أمام الغرب للإلتحاق فيه. و مثلما تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية بأنها دولة عظمى وقطب غربي نبيل، أصبحت تقابلها روسيا الاتحادية العظمى و تحالفها في شرق و جنوب العالم. وبدلا من المضي في القضية الأوكرانية والتجذيف بها من قبل الغرب الأمريكي لمساعدة أوكرانيا – كييف وروسيا الاتحادية باعتبارهما طرفين متحاربين، توجه لتصعيد الحرب بينهما لدرجة التدخل الغربي المباشر الممكن أن يقود لصدام مماثل مع روسيا، ولسوف يكون نوويا أكيد لا يحمد عقباه، ومدمرا للحضارات والبشرية. وهو ما لا نتمناه.
وساد الاعتقاد وسط العرب بأن الولايات المتحدة الأمريكية تملك المفتاح السحري لوقف الحرب في غزة،ووضعوا كل بيضهم في السلة الأمريكية و أداروا ظهرهم لروسيا الصديقة لهم و التي طالبت أولا و عبر مجلس الأمن بوقف حرب غزة وهو الأمر الذي واجهته أمريكا بفيتو صريح تسبب في إراقة مزيد من الدماء الفلسطينية البريئة التي لا علاقة لها مباشرة في الصراع القائم، و فقط لأنهم أصحاب الأرض و التاريخ و القضية العادلة.و للصين و تركيا و ايران و اسبانيا و الأرجنتين و كولومبيا و غيرها من دول العالم المتحضرة موقف مماثل وواضح من عدالة القضية الفلسطينية. لقد صرح الرئيس بوتين للتو بأن ما يجري في غزة لا يشبه الحرب و انما حرب ابادة للسكان المواطنين.و بأن روسيا تدين الارهاب مهما كان مصدره. وأمريكا دون غيرها هي من تدير الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني،وهي من أوصلته لهكذا نتيجة.
يعتقد الغرب و في مقدمته أمريكا بأن روسيا الاتحادية لن تلجأ يوما للسلاح النووي المباشر، حتى لو تحرش بروسيا عن طريق أوكرانيا أو مباشرة، و قالها الرئيس بوتين، و هو المعروف بالكاريزما الفولاذية التي انفرد بها وسط رؤساء روسيا و العالم في التاريخ المعاصر، وكلمته، و هو المشرف على الحقيبة النووية، قول وفعل. ولا مكان لتجريب روسيا أو العبث بأعصابها . وقالها حديثا بأن بلاده روسيا سوف تستخدم السلاح النووي ان دعت الحاجة و نادى الوطن الروسي .و سوف تعمل مرحليا على تقريب صواريخها النووية بالقرب من العواصم الغربية التي ترسل سلاحها و جنودها لأوكرانيا لمقارعة روسيا و الحاق الأذى بها. ومع هذا و ذاك لا نشجع لكي تصل الأمور لهكذا مرحلة مرعبة.
وفي الوقت الذي يخطط فيه الغرب لكي يستخدم سلاحه لضرب العمق الروسي بطائرات " اف 16 " و بالصواريخ بعيدة المدى، تناقضت التصريحات التي يطلقها الرئيس المسن جو بايدن بين التخطيط لضرب العمق الروسي و بين العمل لصد الهجوم الروسي في المناطق الحدودية بين روسيا و أوكرانيا – كييف.و عملت روسيا في المقابل على ضرب المطارات الأوكرانية التي جهزت لأستخدامات طائرات " أف 16 " و الصورايخ بعيدة المدى، و هو حق سيادي دفاعي مشروع لها. ولازال الغرب يخطيء عندما يعتقد بأن الحرب الروسية – الأوكرانية و التي هي بالنسبة لروسيا عملية عسكرية خاصة من الممكن الانتصار عليها، بينما هي روسيا تتحرك وسطها بالتدريج وحسب سخونة المعركة.
ويخطيء الغرب،و أمريكا خاصة عندما يعتقدون بأن خدمة إسرائيل في حربها المجنونة على أهل فلسطين في غزة – أهلنا، و اعتبارهم حماس،و على حماس، و على المقاومة الفلسطينية و العربية ( حزب الله،و حزب الله في العراق،و الحوثيون )،وتشجيعها على تسفير الفلسطينيين قسرا من أرضهم التاريخية،و على قتلهم عبر حرب ابادة ممنهجة،ورقم الشهداء الذي تجاوز 36 الفا خير شاهد. وخسارة إسرائيل البشرية جراء السابع من أكتوبر 2023 محدودة في المقابل، و تعداد أسراها لدى حماس محدود وهو أقل من مئتي أسير،وهو مؤقت لحين وقف الحرب نهائيا بعد تبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين الذي يتجاوز تعدادهم عشرة الاف معتقل.
والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا هو أيهما أفضل للغرب الأمريكي القابع في غرفة احادية القطب البحث عن سلام دائم في أوكرانيا ومع روسيا، وفي غزة و في عموم الأراضي الفلسطينية، والتشجيع على حل الدولتين لقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وعدم التدخل في شأن الصين الشعبية وتايوان، أم فعل العكس لديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح، والإبقاء على الأزمات الدولية تراوح مكانها؟
وبالمناسبة روسيا – بوتين لازالت تعرض فتح الحوار مع الغرب ومع أمريكا تحديدا وتقود توجه عالم متعدد الاقطاب في ذات الوقت. ولا يملك الغرب مجتمعا حق نعت روسيا بالإرهاب، ولا العرب، و لا الصين في زمن هم من يقودون فيه التطرف في العالم وبشكل ملاحظ. وروسيا قوية تعني قوة حضور و تشكيل ميزان العالم.و يصعب تصور العالم من دون روسيا ومن دون تحالفها مع الصين أيضا.
الدول العظمى في العالم معروفة، الولايات المتحدة الأمريكية الواجب أن لا تستخدم قوتها لكي تتغول على أركان العالم.و روسيا الاتحادية العظمى المهذبة تقود توجها عادلا تطلق عليه تعدد الاقطاب لكي ترسو العدالة في العالم،وهي تختلف تماما عن توجهات القطب الغربي الأمريكي أكيد. وهي، أي روسيا في عظمتها تتفوق نوويا على ( الناتو) مجتمعا،وتتربع على عرش الأقتصاد الأسوي، وهي غنية بالمصادر الطبيعية الوفيرة، والأكثر تمسكا بالقانون الدولي. و الصين صاحبة الرقم " "1 في الأقتصاد العالمي، فماذا تبقى لأمريكا التي تطبع الدولارات من دون مصادر طبيعية كافية ؟ و احتفالية نصر في العاصمة " كييف " في ذكرى فتح الجبهة الثانية الغربية في الحرب العالمية الثانية عام 1944 ، أي قبل عشرة شهور من النصر السوفيتي الكبير على النازية الألمانية و رفع العلم السوفيتي فوق الرايخ الألماني ( البرلمان ) عام 1945، و حضور الرئيس الأمريكي بايدن، والرئيس الفرنسي ماكرون و غيرهما، ويشكلون معا تحالفا معاديا لروسيا فقط لأنها ناهضة وليس بسبب دخولها الاراضي الأوكرانية لأسباب سيادية خاصة. دعونا نتأمل ؟