مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في الأردن وتشكيل مجلس النواب العشرين، يجب علينا جميعاً الوقوف عند مقولة جلالة الملك عبد الله الثاني في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة التاسع عشر " المرحلة المقبلة تستدعي ضخ دماء جديدة لتنفيذ التحديث".
وهنا يتبادر إلى أذهاننا ماهيّة شكل المرحلة المقبلة وأهمها شكل مجلس النواب القادم، الأمر الذي يستدعي التفكير والتحليل العميقين لفهم ما يطمح به جلالته ضمن الأوراق النقاشية، والرسائل والخطابات الموجهة لأصحاب القرار.
وعليه ارتأيت أن أبدأ بالحديث عن عماد المستقبل وأساس التنمية المستدامة ألا وهم الشباب، الذي يعد تعزيز تمثيلهم في مجلس النواب ليس فقط ضرورة لفكرة تجذير المحاصصة وعكس التنوع بين شرائح المجتمع بل هو مطلب حيوي لضمان استمرارية النمو والتطور المجتمعي، وذلك لما يمتلكونه هؤلاء الشباب والذين يشكلون 63% من نسيج المجتمع الأردني من أفكار ورؤى مبتكره وطاقات تتماشى ومتطلبات الوقت الراهن وتحدياته.
إن إشراك العنصر الشبابي يساعد أكثر في فهم فكر الشباب عند صناعة القرارات، مما يضمن فعالية تطبيق تلك القرارات بعد إقرارها في الغرف التشريعية. وجود وجوه شابة قيادية ذات كفاءة في البرلمان القادم سيكون بمثابة خطوة جادة نحو التحديث وهذا ما قصده جلالته في أكثر من موطن، أبرزها ضمن الرسالة الموجهة لرئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي شُدد بها جلالته على ضرورة توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار.
رغم التقدم الملحوظ في مجال تمكين المرأة سياسياً في الأردن، والخطوات الملموسة في زيادة نسبة تمثيلهم في مختلف المناصب القيادية في المملكة من خلال الدعم الملكي الهاشمي وما تُرجم على أرض الواقع من تعديلات تشريعية أوصت بها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والذي تمثل أبرزها بزيادة أعداد المقاعد المخصصة للمرأة (الكوتا) لتصبح 18 مقعد بدلاً من 15 مقعد تبعاً لعدد الدوائر الانتخابية، واشتراط وجودها بما لا يقل نسبته عن 20% لتأسيس أي حزب سياسي، وغيرها من المعززات التشريعية التي يطول الحديث عنها.
إلا أن ما نتطلع أن نراه في الغرف التشريعية وخاصة المجلس النيابي في المرحلة القادمة هو المرأة القيادية الأردنية الكفؤ، التي لها دوراً بارزاً ومحورياً في صياغة القوانين والسياسيات، صاحبة البصمة الإيجابية في تطور البلاد، التي تحمل على عاتقها هموم واحتياجات وآمال النساء في الأردن، ضمن موروثنا العربي. كما عهدناها دائماً.
فيما يتعلق بذوي الإعاقة، فإنهم شريحة لا تقل أهمية عن باقي شرائح المجتمع التي تم ذكرها آنفاً. هؤلاء الأفراد لم يجدوا من يمثلهم داخل المجلس النيابي حتى يومنا هذا، حيث أن المجالس التسعة عشر الماضية لم تشمل نائباً واحداً من ذوي الإعاقة. ويعد تمثيلهم في البرلمان ليس مجرد خطوة ضرورية نحو تحقيق مستقبل أكثر شمولية وعدالة، بل هو حق أصيل كفله الدستور الأردني والقوانين النافذة.
ذوي الإعاقة يشكلون جزءاً هاماً من المجتمع الأردني كماً ونوعاً، ووجود من يمثلهم في المجلس النيابي سيسهم في تسليط الضوء أكثر على قضاياهم ودفعها إلى الواجهة، كما سيسهم في تبني تعديلات تشريعية تحاكي احتياجاتهم وتطلعاتهم، خاصة في ظل التطور السريع الذي يشهده المجتمع الأردني والاستشراف المستقبلي.
إن المجلس النيابي القادم يجب أن يكون مجلساً يمثل كافة فئات المجتمع الأردني تمثيل حقيقي وفاعل يمتاز بالعدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص للجميع بلا استثناء، يتكون من شباب يقدمون رؤى جديدة، ونساء قياديات يثرين النقاشات التشريعية، وتمثيل وجودي لذوي الإعاقة يشارك بفعالية في صنع القرارات. هذا التنوع من شأنه الإسهام في بناء مجتمع متوازن وشامل وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية بنجاح، فلا يوجد به من هم خلف الركب. إننا على أعتاب مرحلة جديدة، نتطلع فيها إلى رؤية مجلس نيابي يحمل في طياته فرصة حقيقية لإحداث تغيير إيجابي وإصلاح عميق يعكس تطلعات وآمال الشعب الأردني نحو مستقبل أفضل وأكثر شمولية يترجم رؤى جلالة الملك عبد الله الثاني في المئوية الثانية للدولة الأردنية.