تماماً كإطلالة ندى الصباح الجميل وهو ينساب الهوينا ليواسي ذاك البنفسج الحزين.. فأبهج رذاذ الندى صفحات البنفسج الذابلة.. وروى عطشها القومي المزمن!!
تماماً.. مثل أيقونةٍ مسكونةٍ بالهّم ووجع الأمة أطّلت ببهاءٍ لتزيل مشاعر الأسى ومظاهر الإحباط الجاثمة على الصدور.. فشرعت على الفور بالبوح الصادق ثم القول جهرا: حيّ أيها العربي على الاعتزاز بمجد امة الضاد.. وحيّ على الذود عن مبادئها السامية.. وحيّ على الافتخار برسالتها الحضارية القائمة على التسامح والخير والمحبة.. هيا.. أهتف بفخر واعتزاز: أنا عربي!!
تماماً كسحابةِ خيرٍ جادت بفيض غيثها على نفوس ظمأى للمدد القومي.. فاثلجت الصدور وأنعشت الآمال عبر بوحها الشفيف.. فايقن الناسُ بأن التضامن مع غزة العزّة وفلسطين المجد واجب قومي مقدس.. وفرض عين لا فرض كفاية رغم أن أشقاءنا الفلسطينيين كفّوا ووفّوا وزيادة.. في مجال الصمود والاستبسال والذود عن الأرض والكرامة!!
نعم.. هكذا كان وقع وصدى الكلمة الوطنية والقومية الدافئة التي القتها جلالة الملكة رانيا العبد الله أمام خريجي الأكاديمية الدولية في عمان منذ أيام... ولا اخالني أجانب الصواب
لو قلت بأن خطاب مليكتنا الغالية كان موجهاً لكل القوميين والمخلصين والصادقين والشرفاء والصامتين في دنيا العرب الواسعة ولأحرار العالم المناصرين للعدل والحق العربي الأبلج على حدٍ سواء!!
ولا أخالني أيضاً أجانب الصواب لو قلت أن كلام الملكة من حيثُ المضمون والبيان والتوقيت والهدف يندرج في سياق ملك الكلام.
ويقتضي الإنصاف القول في المقام الأول بأن كل ما تقوم به جلالتها من جهد مخلص على صعيد القضية المقدسة يستمد مضمونه وقوته ومدلوله من الموقف الإيجابي الصلب الذي ينتهجه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين قائد الوطن وحرصه الدائم على العمل الدؤوب لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق وفي مقدمتها الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.. والحفاظ على مقدساتنا الإسلامية والمسيحية مصونة من كل عبث صهيوني أرعن!!
واعترف، يا صاحبة الجلالة، بأننا كنا نرقب بعين الاهتمام والتقدير أحاديثك وتصريحاتك لمختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة منذ العدوان الصهيوني الغاشم على غزة العزة.. هذه التصريحات والتي وقرت في قلوبنا جميعاً لأنها تمثل ما تكتنزه دواخلنا وقلوبنا تجاه اشقائنا الفلسطينيين الذين يرزحون تحت ابشع أنواع الاحتلال الاستيطاني البغيض!
ويطيب لي أن أجهر بالقول بأننا نذود عن كل حرف نطقت به لنصرة غزة وفلسطين.. ونقاوم بشدة كل حملات التشويه الصهيونية المسعورة والغربية الممالئة والمنافقة للعدو الصهيوني والتي ابتسرت أقوالك عن قصد خبيث واستهدفت النيل من الأهداف النبيلة والحقائق الدامغة والمعاني الجليلة والمقاصد السامية التي وردت في سياق حديثك!
واعترف، ثانية، يا صاحبة الجلالة بأن نبرة الصدق في ثنايا كلامك وسحر البيان في متن خطابك.. والإحساس بالوجع القومي الذي يقطر من ثنايا بيانك مشفوعاً بالاعتزاز العالي بمجد أمتنا العربية ورسالتها الخالدة التي تقوم على التسامح والمحبة ونصرة المظلوم.. هذا الخطاب الأثير أعاد إلى الأذهان ذكريات الزمن الجميل وما يحمله من معالم الوفاء والانتماء القومي والتضحية الحقّة في سبيل المبادئ السامية التي تعتبر فلسطين، وفلسطين وحدها، بوصلة التوجه والهدف الأسمى..
فقد ذكرنا حديثك الصادق عن امتنا العربية وقضيتنا المصيرية بذاك المشهد الحماسي اليومي المتكرر، أيام زمان، حين كنا نصطف في طابور المدرسة الصباحي مرفوعي الهامات والقامات ومن حولنا العنادل المصطفة على أسوار المدرسة حيث كنا نغرد معاً بأعلى الصوت عن الجزائر وفلسطين.. ونهتف تحيا الجزائر.. وتحيا فلسطين.. وننشد: وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فأشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا. وقد شهدنا بحمد الله تحرير الجزائر وسنشهد بحوله تعالى تحرير فلسطين من ربقة الاحتلال الصهيوني البغيض... وكنا نرفع اليمنى عالياً مع الهتاف القومي ونضع مصروفنا اليومي في اليسرى لإيداعه في صندوق الجزائر... ونواصل مساق النشيد والهتاف ولسان حالنا يقول: سجل ... أنا عربي!!
ويذكّر بوحك الصادق، يا صاحبة الجلالة، بما فعلته ابنة الرافدين العراقية ذات السبعة عشر ربيعاً والتي جزّت جديلتها وارسلتها إلى غزة العزة كعربون انتماء للقضية ومساندة للاشقاء وقالت وهي تودّع جديلتها: قولي لأهلنا في فلسطين أن عمري الذي كان يتمرجح في افيائك طيلة سبعة عشر حولاً هو مرهون لعيون فلسطين.. فاهدت الصبية جديلتها لغزة.. حين اعوزها المال ورهنت العمر لفلسطين ولسان حالها يقول سجل أنا عربية!!
ويذكّرنا خطابك القومي الصادق بأبن سوريا، البطل والشقيق المسيحي السوري (جون جمال) الذي تطوع للانخراط في الذود عن أرض الكنانة أثناء العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة في الخمسينات من القرن الماضي.. فامتطى (جمال) صهوة طوربيده ويمم وجهه شطر البارجة الفرنسية واقتحمها وقام بالواجب الذي يحتمه الانتماء القومي.. واستشهد ابن سوريا على أرض مصر ولسان حاله يقول: سجل... أنا عربي!!
ويذكّرنا كلامك الزين، يا صاحبة الجلالة، بابنة الطفيلة التي جمعت كل مصاغها وقدمته هدية لغزة العزة، وحين اقترح أحدهم بأن تبقى في يدها خاتماً واحداً رفضت وقال بلهجتها الطفيلية المحببة: لَهْ. لَهْ .. غزة ابدى مني بالذهب يا الربع... فتبرعت بالذهب لأنه يليق بجيد غزة ... ولسان حالها يقول: سجل أنا عربية!!
ويذكرنا صدق خطابك القومي بصدق الأخوة الراسخة بين قلوب الأشقاء على ضفتي النهر الخالد وعلى رمزية ودلالة وجود مصطبة القدس في قلوب أهل الكرك من حيث الغلاوة وفي صدر قلعة صلاح الدين في (خشم العقاب) من حيث المكان.. هذه المصطبة التي تطل من حالق نحو الغرب حيث مهوى الافئدة فلسطين العزيزة وتناجي صباح مساء شقيقتها مصطبة الكرك في رحاب الأقصى ولسان حال المصطبتين الأردنية الكركية في القدس والفلسطينية المقدسية في الكرك يقول: الأرض بتتكلم عربي... ويقول الناس من حولهما: سجل أنا عربي!!
ويذكرنا حرصك على الهوية العربية وامجاد الأمة وتاريخها التليد بموقف الشيخ الفلسطيني الجليل (فهد جابر) الذي وقف بصدره المكشوف امام جرافات العدو الصهيوني التي شرعت في اجتياح وقطع أشجار الزيتون بمنطقة الخليل في الثمانينات في القرن الماضي لأنه يؤكد تاريخ فلسطين فوقف الرجل الطاعن في السن بكامل عنفوانه وتصدى للموت.. وصدّ جرافة العدوان ولسان حاله يقول: سجل أنا عربي فلسطيني!!
أنا عربي... حريص على الأرض والتاريخ والهوية!!
ويذكرنا خطابك القومي الشفيف بالكثير من الوقائع والتضحيات عنوانها الأثير: سجل أنا عربي ... ومضمونها الغالي: كله لعيون فلسطين!
وفي الختام اجدني ألوذ لاستعارة قبضة أبيات من رائعة العملاق العربي الفلسطيني محمود درويش التي تحمل عنوان (سجل انا عربي) علّها تسعف قلمي حيث يقول:
سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناس ولا اسطو على أحد
ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي
حذارِ.. حذارِ... من جوعي ومن غضبي!!
أنا عربي!!
يا صاحبة الجلالة.. ما اشبه بوحك الصادق اليوم ... ببوح الأمس القومي الجميل!!
سنظل نردد معك بكل فخر واعتزاز: أنا عربي...!! أنا عربي!!
سلم لسانك الصادق .... وسلم بيانك الساحر يا ام الحسين