أجرى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد الأمين، مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية؛ بمناسبة "اليوبيل الفضي" لتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية.
أرسل سمو ولي العهد من خلال المقابلة مجموعة رسائل حول العديد من المواضيع السياسية والاقتصادية والادارية وأبرزها على مستوى الشأن المحلي رسالة سموه لكل مسؤول في الدولة الأردنية؛ وكانت واضحة وضوح الشمس حيث تحدث سمو ولي العهد قائلاً، وأنا على عاتقي مسؤولية كبيرة، وأتعامل معها بجدية، لأنني مدرك أن قراراتي أو "قرارات أي مسؤول" من الممكن أن تؤثر على حياة كثير من الناس؛ هذه المسؤولية بالقرارات والكفاءة هي التي نطمح أن نراها في القطاع العام.
تطرقت في مقال سابق لمعاناة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الأردن من نقص حاد في العمالة الوافدة، مما يهدد استمرارية أعمالهم ويُعرضهم لخطر الإفلاس؛ وذكرت ان هذه المعاناة تعود إلى قرارات حكومية سابقة (إبان جائحة كورونا) أدت إلى مغادرة العديد من العمالة الوافدة الذين كانوا متواجدين بصبغة قانونية؛ للبلاد، وعرضت مطالب هذه الفئة من أصحاب العمل بإنشاء تبويب خاص على منصة وزارة العمل يسمح لهم باستقدام عمالة وافدة جديدة (بديلة) عن تلك التي غادرت بشكل قانوني؛ وقلنا ان هذا الحلّ خطوة إيجابية من شأنها أن تُساهم في تخفيف حدة أزمة البطالة لدى الشباب، وسبب لإستمرارية مشاريعهم، ومنع هجرتهم إلى الخارج.
ولو تابعنا المهن والأعداد المسموحة للعمال غير الأردنيين حسب القطاع الاقتصادي ضمن الدليل الشامل لأسس اصدار تصاريح العمل للعمال من هذه الشريحة لوجدنا العديد من المهن الفرعية التي تستخدم في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولا يعمل بها العامل الأردني؛ ما يدفع الشاب الأردني صاحب العمل الى استخدام العمالة الوافدة لتساعده على استمرارية مشروعه وتوفير حياة كريمة له ولأسرته؛ فمن الصعب ان تجد عامل أردني لمعصرة زيتون، كما انك من الصعب ان تجد عامل مطعم يقف امام الشواية 12 ساعة، وهل وجدتم اقبال لعمال اردنيين للعمل في محال نتافات الدجاج لتنظيف الدواجن او محال الدراي كلين يغسل ويكوي، او عامل محطة غسيل سيارات، او عامل مكبس طوب او عامل مخبز او عامل نظافة في مخبز او عمال تحميل وتنزيل في مخامر الموز؛ والكثير الكثير من المهن التي تحتاج لعمالة وافدة تساعد الشاب صاحب العمل الأردني وان كان يعمل في مصلحته.
الآن ماذا لو افترضنا أن عدد العمالة الوافدة القانونية التي غادرت من خلال منصة الحكومة اثناء جائحة كورونا تقدر ب 10 آلاف عامل وافد؛ فهذا يعني ان ما بين 5 آلاف الى 7 الاف صاحب عمل اردني تضررت اعمالهم؛ فاستعان هؤلاء الأردنيين بالعمالة الغير قانونية الموجودة حتى تستمر مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة ولا يلجؤوا الى الإفلاس واغلاق مشاريعهم كبصيص من الامل؛ صدقا هذا التصرف لا يليق حيث ان استخدام العمالة الوافدة الغير قانونية اجراء مخالف للقانون؛ ما دفع بإقرار بيان من وزارتي الداخلية والعمل حول العمالة غير الأردنية المخالفة، والذي جاء فيه بأن وزارة العمل ستقوم بتحرير مخالفات وفقا للقانون بحق أصحاب العمل والأشخاص المخالفين الذين يشغلون عمال غير أردنيين لا يحملون تصاريح عمل أو أوذونات إقامة سارية المفعول أو تشغيلهم في غير المهن المصرح لهم بها أو يستخدمون بالعمل لدى صاحب عمل غير المصرح لهم بالعمل لديه؛ قرار إيجابي لتنظيم و قوننة العمالة الوافدة من جهة لكنه بات سبب آخر يضاف لقرار عدم تعويض او استبدال العمالة الوافدة القانونية التي غادرت اثناء جائحة كورونا وأعاد أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الشباب الأردني الى المربع الأول ورعب الإفلاس والبنوك والتنفيذ القضائي للقروض التي اخذت لتنفيذ هذه المشاريع لضمان حياة كريمة للشباب وعائلاتهم.
حكوماتنا الرشيدة الحالية والقادمة؛ اتخاذ القرارات يجب ان يكون نابع عن دراسة شاملة بحيث انها لا تؤثر سلباً على أي مواطن ملتزم بالقانون والتعليمات؛ فنحن دولة عمرها يفوق المئة عام تتباها بخبرات مسؤوليها الناجمة عن العمل الميداني من دراسات ومتابعة؛ للوصول للقرار الصائب الذي يعود بالفائدة على دافع الضرائب؛ فخبراتنا ليست بالجلوس على كراسي المسؤولية لتوقيع البريد، ولا هي مجرد تمديد عقود عمل لتضاف للسيرة الذاتية؛ ابتعدوا عن مجاكرة المواطن؛ فأنتم وان فعلتم ذلك تدفعونه للهجرة والاستثمار دون عودة للوطن؛ او يلجأ لإتباع أصحاب اجندات لم يفكر يوما بإتباعها؛ انتم اليوم على كراسي المناصب والمسؤولية، وغدا ستغادرونها ولن يبقى لكم سوى التاريخ؛ فإن احسنتم للوطن والمواطن ذكرتم بخير واستحسان؛ وكما قال سمو ولي العهد الأمين المُطّلع والمدرك لحاجات المواطن "هذه المسؤولية بالقرارات والكفاءة هي التي نطمح أن نراها في القطاع العام".
فهل تلتقط الحكومة الحالية توجيهات سمو ولي العهد الأمين؛ وتترجمها على ارض الواقع بدءا من مساعدة الشباب الأردني الذي يعاني جراء قرارات سابقة؛ ويتم فتح استثناء استبدال العمالة الوافدة القانونية التي غادرت؛ بعمالة جديدة لإستمرار مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة لضمان عيش كريم لهم ولعائلاتهم.
الله ثم الوطن والملك من وراء القصد.