حتى أن فيروز ذاتها تجاوزت مسألة الطرق، إلى الدواوير..بمعنى دخلت على اختصاصات أمانة العاصمة،عبر أغنيتها: (في ئهوة ع المفرء نبئى أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار)...فيروز تقصد في هذه الأغنية التقاطع أو (الدوار) وأنا حقيقة لا أعرف هل القهوة التي ذكرتها لديها تصريح؟...فيروز تجاوزت الطرق ووصلت إلى تصاريح المقاهي..

الكويتيون أيضا أبدعوا في تناول الطرق عبر الأغاني، الفنان نبيل شعيل لديه أغنية مشهور بعنوان: سكة سفر، ويقول في كلماتها: (سكة سفر مجبور اجاوزها وامر، عل وعسى ألقى حبيبي المغترب، واحني عليه واضمه في صدري الرحب) الفنان نبيل شعيل هنا تجاوز اختصاصات فيروز، فهو مباشرة قفز إلى اختصاصات إدارة السير والبحث الجنائي..هو يريد التجاوز، وأيضا يريد ضم الحبيبة..وكما هو معروف فإن عملية الضم تفسر ضمن القانون بأنها خدش للحياء العام إذا تمت في الطريق العام.

عبدالحليم حافظ تجاوز مسألة ذكر الطريق في الغناء، إلى مسألة الكوارث..في قارئة الفنجان مثلا...قال: (لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود مسدود)..المطر يؤدي إلى الإنهيارات وبالتالي إلى إغلاق الطرق، عبدالحليم أدخل الأرصاد الجوية في المسألة...

في الجانب المصري أيضا هنالك أغنية تقول كلماتها: (لما حلمت بدنيا جديدة خذني الحلم لسكة بعيدة وبعت الكل عشان أحلامي) وأظن أن المغنية هي بوسي...المصريون يقولون عن الطريق (سكة)..والفنانة بوسي تبحث عن (سكة بعيدة)..هذا يعني أنها تريد الخلاء..هذا يعني أيضا أن هنالك ما يثير الريبة في الأمر، في هذه الأغنية يتم عرض جانب اخر من استخدامات الطريق غير التنقل وهو (الحب)...

كل الطرق في العالم العربي إما مرتبطة بالحب، أو التجاوزات..أو البعد عن الأنظار أو المفترقات..أو المشي، أو الإغلاق بفعل الظواهر الطبيعية..كل الطرق في العالم العربي هكذا وصفت....إلا طرق غزة هي الوحيدة المرصوفة بالشهداء، هي الوحيدة التي في كل شارع منها ألف بقعة نزف..وألف قطرة دم، وألف شهيد وألف دمعة ولوعة وحسرة...

ترى هل يليق الغناء بطرق غزة..هي أكبر من الغناء، أكبر من الفداء..هي الطرق التي تتصل بالسماء، ويصعد عبرها الشهداء إلى عليين...وهل يوجد في العمر أجمل من دروب السماء، ومن الدروب التي تحمل نزف الشهيد...

معذرة فيروز (مفرء الطريق) في غزة لايوجد عليه مقهى مفروشة بالأزهار..بل يوجد عليه مبان مفروشة أرضها بدماء الشهداء...معذرة فيروز, فقد سقط الغناء..