.... في مقابلة ولي العهد الأخيرة, أشار الأمير للهويات الفرعية ..في إطار الفهم الدقيق لمعناها, فهو لم يقم بإدانتها هو قدمها في إطار الضرورة ..ولم يقدمها في إطار النقد أو العبء..
البعض يستخدم هذا المصطلح للأسف في إطار النقد, وتلك المرة الأولى التي أستمع فيها لحديث ينصف صاحب الهوية الفرعية, ولا ينتقدها أو يعيبها أو يعتبرها أزمة في التكوين الإجتماعي للدولة..
ما هي الهوية الفرعية؟ ..لايوجد تعريف دقيق لها, بل يوجد ما نسميه بروافع تكوين الهوية ومن أهمها: الجغرافيا, العرق, الدين, واللغة ...والهوية الفرعية لم تكن عائقا يوما في وجه الهوية الأم أو الهوية الكبرى ...سأوضح الأمر, حابس المجالي مثلا جاء بهوية فرعية هي الكرك ..والكرك تشكلت هوية الناس فيها بفعل الجغرافيا ..وتدخلت العشيرة (العرق), حابس حمل صفات وسجايا هويته الفرعية لكنه لم يقاتل في فلسطين باسم الكرك أو العشيرة, بل قاتل دفاعا عن الدولة ومشروعها ودفاعا عن النظام...
وصفي التل امتلك هوية فرعية هي (حوران), وامتلك أيضا بعض الصفات من هوية شرسة مقاتلة هي الكردية بحكم طفولته وووالدته التي تنتمي لقبيلة (بابان) الكردية المشهورة, تنازعت الهويات الفرعية في تشكيل وعيه ..ولكن كل هذا الأمر ساهم في وضع وصفي التل بصورة المدافع عن الشخصية الأردنية ...بمعنى أن الهوية الفرعية هي الأساس في تشكيل الهوية الأم ..هي المدماك الأول في نشأتها وهي لا تصطدم أبدا أو تتناقض مع هوية الدولة أو هوية الشعب.
الهوية لايوجد لها تعريف بقدر ما يوجد لها وصف فهي: شرسة, مقاتلة, دموية ..وكل الحروب التي قامت في العالم كان سببها الهوية, الألمان في الحرب العالمية الثانية حددوا هوية الشعب والدولة عبر العرق (الاري)...الجيش الجمهوري الإيرلندي حين قاتل بريطانيا قاتلها على أساس الهوية الدينية (الكاثوليك) ...الأمازيغ في المغرب العربي تشكلت هويتهم عبر اللغة التي امتلكوها وحافظوا عليها...
الأمير في اللقاء أنصف الهوية الفرعية, وقدمها في إطار الفهم لمعناها ..وأنا لا أعرف لماذا بعض السياسين في بلادنا يهاجمون الهويات الفرعية دون أن يدركوا المعنى الحقيقي لها ..ودون أن يدركوا أيضا أن هوياتهم الفرعية هي من وضعتهم في مصاف المسؤولية..
في الكتاب الذي وضعه أمين معلوف (الهويات القاتلة).. حاول الكاتب أن يبرر الحرب اللبنانية, حاول أن يبرر بروز الهويات الدينية مثل الكتائب ..حاول أن يبرر بروز الهويات التي تقوم على العرق مثل الحزب التقدمي الإشتراكي ...لكن الكاتب نفسه وقع ضحية للهوية المركبة, النشأة اللبنانية العروبية والثقافة الفرانكفونية ..فقد انتهى به المطاف مدرسا في أرقى جامعات فرنسا ...لكن أمين معلوف قدم تفصيلات رائعة ..ويعتبر هو المرجع الأهم في الهوية, وبالتحديد في عالمنا العربي..
قرأت كل ما كتب عن لقاء الأمير, لكن استوقفتني مسألة الهوية الفرعية ..وتلك المرة الأولى التي أرى فيها فهما لمعنى الهوية وإنصافا لها من قبل الأمير, بعكس الإدانة التي كانت تتعرض لها الهويات الفرعية ..ويبدو أن الذين كانوا يهاجمونها لم يقرأوا سطرا واحدا من أمين معلوف..